سلمان بن محمد العُمري
قديماً قيل الكتاب يقرأ من عنوانه، حينما لم يكن طبع الكتاب وإخراجه يتم بآلات وصف بل يقوم المؤلف أو أحد الوراقين أو تلاميذ العالم بنسخ الكتاب، وهناك أشخاص ممن يملكون خطوطاً جيدة يتولون هذه المهمة وتتم كتابتهم إما بالإملاء من صاحب الكتاب أو من أوراق المؤلف وكناشته.
وحين بدأت طباعة الكتب آلياً وعبر مكائن، ومن ثم عبر التقنية الحديثة أصبح هناك إضافات جمالية تجرى على إخراج الكتاب وصفه ونوعية الحروف، وتصميم الغلاف مع نوعية الورق؛ فأصبح من عوامل الجذب.
ومع عناية الأولين بالعناوين أصبح مما يضاف لهذا الاهتمام غلاف الكتاب، والعناية به ليكون جذاباً ومتوافقاً مع العنوان والمحتوى، وأصبح هناك فئة من المخرجين والمصممين تقتصر أعمالهم على تصاميم الغلاف وهم إما يعملون في دور النشر أو يعملون بمفردهم، وقد تضفي لمساتهم وإخراجهم جاذبية للكتاب حتى وإن كان محتوى الكتاب ضعيفاً، ولربما كان المؤلف أو الكاتب هو من يقوم بهذا التصميم أو يطرح فكرته للمصمم ليقوم بتنفيذها، والبعض الآخر لا يزال عند رأيه، ورأي القدماء أن الكتاب يقرأ من عنوانه وقائمة محتوياته في الفهرس، أو من مقدمة الكتاب التي يطرح فيها الكاتب رؤيته في الكتابة ودواعيها وأسلوبه ونهجه الذي سلكه في التأليف أو الإعداد.
ومن التقاليد التي لم تكن معروفة لدى المؤلفين وتم استجلابها من الغرب فكرة الإهداءات التي تتصدر المحتوى وتأتي في الصفحات الأولى بعد الغلاف الداخلي، ويقدم المؤلف كتابه لعزيز عليه عرفاناً بالجميل أو تعبيراً عن المحبة، ولا تخلو هذه الإهداءات من الوفاء أو من الطرافة أو من الالتزام العلمي الجاد، ومما وقعت عليه عيني من الإهداءات ما كتبه أحدهم من إهداء إلى من رسموا له خطوط الفشل في مستقبل حياته حين كتب أحدهم إهداء كتابه إلى مدرس اللغة العربية الذي قذف دفتر التعبير في وجهه، وقال له: ستموت قبل أن تكتب جملة مفيدة، وقدم أحدهم الكتاب إلى من علم والده حرفة تصليح (وابور) الغاز فتمكن والده من إعالة أسرته، وقدم أحدهم كتابه إلى من لا يستطيع شراء كتابه لفقرهم، وإلى الذين لا يعرفون من الرياضة سوى الركض اليومي وراء الرغيف، وأحدهم أهدى كتابه إلى (القراصنة) الذين يسرقون كتبه وينشرونها وأسهموا في نشرها من خلال طبعات خاصة، وأنه سعيد بأن كتابه أصبح مصدر رزق لهم.
وأما الإهداء للوالدين وللزوج والزوجة والأبناء وللمعلمين ولأصحاب المعروف فهذا هو السمة الغالبة في الكتب.
يقول أحد المهتمين بالكتاب واقتنائه: إنني حينما أسمع عن كتاب وقد عرفت عنوانه وجذبني موضوعه لا أقف عند الموضوع فأقرأ المقدمة والفهرس، ولابد أن أعرج على الإهداء، وكم من كتاب لم يجذبني إليه عنوانه ولا موضوعه ولا محتواه فقط، بل شوقني إليه مع هذا كله الأنموذج الفريد في إهداء المؤلف، وبعد هذا يحق لنا أن نقول معه إن الكتاب لا يقرأ من عنوانه فقط، بل من عنوانه وشكله وإهدائه.