حمّاد بن حامد السالمي
* كان إعلان توحيد المملكة العربية السعودية على يدي المؤسس والموحّد (الملك عبد العزيز) -طيب الله ثراه- قبل تسعة عقود وعام؛ حدثًا في غاية الأهمية. كان منجزًا وطنيًا وحضاريًا بامتياز، بنيت عليه بعد ذلك كافة المنجزات الإدارية والأمنية والاجتماعية والثقافية. مثل هذا المنجز الفريد والوحيد في منطقتنا العربية؛ لا ينبغي أن يُستلب لأفراد وأسر، أو يُخدش بما نستطيع تسميته: (التاريخ الوهمي).
* انطلاقًا من هذا المبدأ؛ أشير هنا إلى ما كتبه الصديق الأستاذ (بندر بن عبد الرحمن بن معمّر)؛ من بحث تاريخي بأسلوب علمي موثق بعنوان: (اليوم الوطني السعودي.. صفحات لم تكتب)، ونشره في صحيفة الشرق الأوسط يوم الأحد 26 سبتمبر 2021م، وذلك بالتزامن مع الندوة الكبرى التي نظمتها جامعة الطائف، تحت رعاية صاحب السمو الملكي (الأمير خالد الفيصل)، مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة بعنوان: (الطائف منطلق إعلان توحيد المملكة العربية السعودية)، وتحدث فيها معالي الدكتور (فهد السماري)، الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز، والأستاذ (بندر بن معمّر)، وجاء فيها عرض لوثائق مهمة عن قصة إعلان توحيد البلاد وتسميتها (المملكة العربية السعودية)، وبشكل يوضح ويصحح ما يطل علينا كل عام؛ حول الشخصيات التي رفعت المقترح للمغفور له: (الملك عبدالعزيز). تسجيل الندوة متاح على حسابات جامعة الطائف ودارة الملك عبدالعزيز في مواقع التواصل لمن أراد الاطلاع.
* هذه الندوة العلمية؛ حسمت الجدل المتكرر كل عام حول هذا الموضوع؛ وحددت 17 شخصية توالت اجتماعاتهم في منزل (عبدالله الفضل)، معاون نائب الملك في الحجاز بحي السلامة بالطائف، وجميعهم رجال دولة وهم: (فؤاد حمزة، صالح شطا، عبدالله الشيبي، محمد شرف رضا، عبدالوهاب نائب الحرم، إبراهيم الفضل، محمد عبدالقادر مغيربي، رشيد الناصر، أحمد باناجة، عبدالله الفضل، خالد أبو الوليد القرقني، محمد شرف عدنان، حامد رويحي، حسين باسلامة، محمد صالح نصيف، عبدالوهاب عطار، مهدي القلعلي)، وأنهم طلبوا من إخوانهم في كافة المدن؛ رفع برقيات التماس للملك المؤسس لتأييد المقترح، فرفعت مئات برقيات التأييد من مختلف أرجاء البلاد. هذا الإيضاح؛ يفترض أن يكون كافيًا لمن كانوا يقولون - بحسن نية- أنهم أصحاب الفكرة، لكن المشكلة؛ أن هناك من يصر على ترويج معلومات مغلوطة ومخجلة لا دليل عليها، ولا سند تاريخي لها، ومنهم من استمرأ هذا الأسلوب، ووجد من يدعمه ويسانده من بعض الأكاديميين والإعلاميين غير المدركين لأبعاد تشويه الحقائق حول رواية تاريخية وطنية، وكأن المطلوب أن يكون تاريخنا السعودي؛ عرضة للمحاصصة الأسرية أو المناطقية- كما أشار إلى ذلك الدكتور: (عبدالله الشريف)؛ في معرض تعقيبه أثناء الندوة.
* كنت ضمن حضور هذه الندوة التي أظهرت حقائق مثبتة، وكشفت الغطاء عن مغالطات لا تمت للواقع بصلة. ومن ذلك ما يتولى كبره الأخ محمد خليل حلواني، الذي قال في لقاء مع صحيفة سبق نشرته يوم 23 سبتمبر 2016م)» أن الملك عبدالعزيز كان مدعوًا في قصر أبو حجارة، العائد للشيخ عبدالوهاب حلواني، المعنيّ بشؤون الملك عبدالعزيز بمحافظة الطائف؛ وذلك بعد الانتصار على ابن رفادة)..! وأثبتت الوثائق؛ أن (الملك عبدالعزيز) لم يأت إلى قصر أبو حجارة، ولم يثبت ذلك في أي مصدر تاريخي، بما في ذلك كتاب: (رحلة عمر)، المصدر الوحيد الذي يستشهد به محمد حلواني، وهذا ما نفاه سمو الأمير (طلال بن عبد العزيز) رحمه لله، وكنت أنا ومحمد حلواني وشاهدان معه بالسيارة في الطريق من بني سالم إلى مطار الطائف. قال: (الملك عبد العزيز لم يأت إلى هذه الجبال أبداً.. غير صحيح، وكنت آتي معه إلى الطائف دائمًا).
* الأمر الآخر، لا أدري من أين أتى محمد حلواني بلقب: (عبد الوهاب حلواني المعني بشئون الملك عبدالعزيز بمحافظة الطائف)..! ذلك أنه لا دليل البتة على أنه كانت هناك وظيفة بهذا المسمى، سواء للحلواني أو لغيره في الطائف، أو في أي مدينة أخرى. والحقيقة؛ أن الشيخ عبدالوهاب حلواني؛ كان تاجرًا، وشيخ حلقة خضار وفاكهة، وبهذه الصفة؛ كان متعهدًا لتوريد الخضار والفاكهة وغيرها من المواد والخدمات للقصور الملكية. هذا ما عرف عنه، وجميع الوثائق التي يروجها الأخ محمد؛ تؤكد هذا القول، وأكثرها وثائق فواتير وحسابات، وهذا لا يقلل من مكانة الشيخ عبدالوهاب- رحمه الله- كوجيه من وجهاء الطائف.
* ثم يقول محمد حلواني ويكرر كل عام؛ أنه بعد حفل الانتصار على ابن رفادة، اقترح أهالي الحجاز تغيير مسمى مملكة الحجاز ونجد إلى اسم المملكة العربية السعودية، وأن يصبح لقب الملك عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية، بدلاً من سلطان الحجاز ونجد، وبدأ التحضير لهذه الاجتماعات.. هكذا.. إذ استقبلت (دكة الحلواني التاريخية)- الواقعة في الهدا بالطائف؛ وتحديداً بجوار فندق رمادا وتلفريك الهدا- أهالي مكة، وجدة، والمدينة. ثم يتابع قائلًا: تبع ذلك اجتماعات أخرى في منزل الجفالي، والصبان، والفضل وغيرها بمنازل أعيان الطائف، وذهب الوفد لزيارة الملك عبدالعزيز بقصر شبرا التاريخي في الطائف. ثم يقول كذلك: أن (الملك عبدالعزيز)؛ استحسن الفكرة، وحثهم عليها، فقام محمد الفضل بعقد اجتماع بمنزله في الطائف مع المسؤولين من رجال الدولة؛ في حين قام أعيان الطائف ومشايخ القبائل بنشر الفكرة التي راقت للجميع. انتهى كلامه.
* ومرة أخرى أقول استنادًا إلى ما لدينا من بحث ودراسة؛ أن هذه الرواية غير صحيحة، وأوردها الأستاذ مناحي القثامي في أحد كتبه، ونسبها إلى صحيفة صوت الحجاز، ولكن لا يوجد أي أثر لهذه الرواية في أي عدد من أعداد صوت الحجاز..! التي نشرت حوارًا صحافيًا نادرًا للملك عبدالعزيز في عددها الذي صدر يوم 12 سبتمبر 1932م، قبل أيام من إعلان توحيد المملكة، وأفردت تغطيات شاملة لذلك الحدث. عجبي.
* في الجزء الثاني من المقال؛ نواصل الكلام؛ انطلاقًا مما دار في ندوة جامعة الطائف، وما جاء من توثيقات وتفنيدات وردت عند ابن معمّر تحديدًا؛ حول التاريخ الوهمي الذي أخذ يصاحب الاحتفال باليوم الوطني كل عام، من أولئك الذين لا يستندون في أقوالهم لأي إثباتات أو وثائق رسمية.