عبد الرحمن بن محمد السدحان
* يتسَاءل المرءُ منّا عند قراءة أو سماع شيء عن هذا الموضوع، ويُقصدُ بالعالم الأول تحديدًا بعْضُ دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا، والردّ على سؤال كهذا بات مألوفًا، أكاديميًا على الأقل، يتمثل في عدة متغيرات من بينها:
(1) التمدّدُ السّكاني في بعض البلدان في آسيا وإفريقيا مثلاً، يضاف إلى ذلك شحّ فرص توفير العيش السويّ في تلك البلدان.
***
(2) انخفاض مستوى المعيشة في تلك البلدان على نحو لا يضمن للمرء العادي حدًا أدنى من العيش السويّ، يشبع به جزءًا من تطلعاته حتّى ولو توافرت له فرصة عمل لا تفي مخرجاتها بحاجته!
***
(3) الاضطهاد الديني أو العِرْقي أو السياسي الذي قد يُضطرّ المرءَ إلى طَرْق باب الهجرة إلى بلد آخر يوفّر له (مناخًا) أفضل: ذهنًا وروحًا ومعاشًا!
***
* ولئنْ تباينتْ هذه الأنماط من الحياة صِيَغًا وقيمةً ومضمُونًا، إلاّ أنها في كثير من الأحوال تصبُّ في رافدٍ واحد: خسَارة في الرصيد البشري المؤهّل أو القابل للتأهيل في هذا البلد أو ذاك، وقد يُضطَرُّ بلدٌ ما مُنيَ بمثل ذلك النّزيف في موارده البشرية المؤهلة إلى (التعاقد) مع عمالةٍ متواضعةِ التأهيل والتكلفة تعْويضًا عمّا فقده من ثروته البشرية، وأكاد أجْزمُ أن النتائج المترتبةَ على هذا الخيار الصعبِ قد لا تقلّ قسوةً عن فقد العمالة الوطنية!
***
* وهذا يعني في التحليل الأخير، اقترانَ الأداء الرديء مثلاً من لدن عمالة رخيصة زهيدة الخبرة والتأهيل إلى (استنزاف) العُملة الصعبة في البلد المضيف لصالح بلد آخر!
***
* من جهة أخرى، فإن هجرة الأدمغة المؤهلة، كما باتت تعرف في بعض مراجع أدبيات التنمية، ليست دائمًا شدًا ولا ضُرًا! ففي بلد فقير الموارد، وفي الوقت نفسه يشكُو مرارة الطفرة السكانية، فإن هجرة شريحة من سكّانه تكون (متنفّسًا) له ولأبْنائه، حين يطلبُون الرّزقَ في أرض الله الواسعة أغدق ثروةً وأنْدى فرصَ عملٍ، ثم (يحوّلوُن) جزءًا من ثمار جهودهم إلى أوطانهم، وفي الآن ذاته، يحصدُون خبراتٍ ومهاراتٍ يستفيد منها أهلُهم ووطنهم على نحو أو آخر.
***
وبعد،
أتمنّى مخلصًا ألاّ يتعرض وطنُنا العربي لمثل (الاستنْزاف) لقدراته الشابة والمؤهلة، وأن تزُول أو تتضاءل الأسبابُ و(الحيثيات) التي تدفعُ الشريحةَ الشابةَ إلى هَجْرِ الوطن هربًا من ألم الفاقة أو يأْسًا من الأمل في عيشٍ شريف، وقد يدفع بهم القنوط من الرجاء إلى ما هو أسوأ من ذلك، حمَى الله بلادنا العربيةَ والإسلاميةَ من مِحَنِ غُربة شبابها، وخسران عطائهم لوطنهم!