عبدالرحمن الحبيب
تغير المناخ يمكنه جعل أراض كانت متجمدة وغير منتجة في يوم من الأيام إلى أراض خصبة، وبالمقابل يمكنه إلحاق ضرر كبير بأراضي المناطق الدافئة التي تطعم الملايين، فقد أدى الارتفاع في درجات الحرارة العالمية الذي بدأ مع نهاية القرن العشرين إلى إبطاء تنامي إنتاجية المحاصيل الزراعية، وإن لم يوقفها، حسب تقرير لمجلة الإيكونيميست الذي سيتم استعراض أهم ما جاء فيه.
تشير دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة كورنيل إلى أنه منذ عام 1971، أدى تغير المناخ الناتج عن النشاط البشري إلى إبطاء نمو الإنتاجية الزراعية بنحو الخمس. يذكر أرييل أورتيز بوبيا، أحد باحثي الدراسة، أن الأجواء المعاكسة الناجمة عن تغير المناخ ستصبح أقوى، إذ وجدت الدراسة أن حساسية الإنتاجية الزراعية تزداد مع ارتفاع درجات الحرارة؛ وأن كل كسر عشري إضافي من الدرجة يكون أكثر ضررًا لإنتاج الغذاء.
هذه أخبار سيئة بشكل خاص لمنتجي الأغذية في الأماكن الدافئة، مثل المناطق الاستوائية. وتتوقع دراسة أخرى أنه مقابل كل درجة ترتفع فيها الحرارة العالمية، سينخفض متوسط غلات الذرة بنسبة 7.4 %، وستنخفض غلة القمح بنسبة 6 %، وستنخفض غلات الأرز بنسبة 3.2 %. هذه المحاصيل الثلاثة توفر حوالي ثلثي السعرات الحرارية التي يستهلكها الإنسان.
كما وجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة ولاية كولورادو (نُشرت في مجلة Nature، 2020) تغييرات ملحوظة في توزيع العديد من المحاصيل البعلية في الأربعين عامًا بين عامي 1973 و2012، حيث بدأ المزارعون في اتخاذ قرارات مختلفة حول مناطق المحاصيل المناسبة للزراعة. على سبيل المثال، انتشر إنتاج الذرة من الجنوب الشرقي لأمريكا إلى الغرب الأوسط الأعلى؛ وانتقل القمح بشكل كبير إلى الشمال، بمساعدة طرق الري الجديدة..
أما فول الصويا الذي يمثّل 65 % من جميع البروتينات التي يتم تغذيتها لحيوانات المزرعة، فقد انتقلت زراعته في كلا الاتجاهين شمالاً وجنوباً، حيث سمحت السلالات الجديدة والتطورات الأخرى لها بالتوسع في المناطق الاستوائية. كما توسعت المناطق التي يتم فيها حصاد الأرز بالصين شمالًا منذ عام 1949 . كما هاجر العنب ومحاصيل الفاكهة إلى الشمال.
في الوقت الحالي، فقط حوالي ثلث المناطق الشمالية في العالم - وهي منطقة حيوية تتميز بالغابات الصنوبرية التي تغطي مساحات شاسعة من الأرض جنوب الدائرة القطبية الشمالية - تتميز بدرجات حرارة دافئة بما يكفي لزراعة أصعب الحبوب التي تتحمّل البرودة الشديدة، مثل الشوفان والشعير. هذا يمكن أن يتوسع إلى ثلاثة الأرباع بحلول عام 2099، وفقًا لدراسة نُشرت في 2018 في مجلة Scientific Reports؛ وقد تزيد حصة الأراضي الشمالية التي يمكن أن تدعم الزراعة من 8 % إلى 41 % في السويد، ومن 51 % إلى 83 % في فنلندا. ورغم أن قطع الغابات الشمالية من أجل الزراعة قد لا يؤدي إلى تفاقم تغير المناخ، إلا أنه سيؤثر على التنوع البيولوجي والنظام البيئي وحياة سكان الغابات، لا سيما السكان الأصليين.
بعض الحكومات حريصة بالفعل على الاستفادة من تغير المناخ. لطالما تحدثت روسيا عن ارتفاع درجات الحرارة على أنها نعمة. تفاخر الرئيس فلاديمير بوتين ذات مرة بأنهم سيمكنون الروس من إنفاق أموال أقل على معاطف الفرو وزراعة المزيد من الحبوب. في عام 2020، حددت «خطة العمل الوطنية» بشأن تغير المناخ الطرق التي يمكن للبلد من خلالها «استخدام مزايا» ذلك، بما فيها التوسع في الزراعة. منذ عام 2015، أصبحت روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم، ويرجع ذلك أساسًا إلى ارتفاع درجات الحرارة.
بدأت الحكومة الروسية في تأجير آلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي في أقصى شرق البلاد للمستثمرين الصينيين والكوريين الجنوبيين واليابانيين. الكثير من هذه الأراضي، كانت غير منتجة في يوم من الأيام، أصبحت الآن تُستخدم في زراعة فول الصويا. حكومة نيوفاوندلاند ولابرادور، وهي مقاطعة تقع في الطرف الشمالي الشرقي لكندا، تحاول أيضًا تعزيز التوسع الزراعي في الأراضي التي تغطيها الغابات.
علاوة على ذلك، فإن تغير المناخ سيغير أنماط هطول الأمطار، لكن هذا لن يفيد بالضرورة الخطط لمزيد من الزراعة في المناخات الشمالية، إذ قد ينتهي الأمر بالعديد من المناطق التي أصبحت معتدلة بدرجة كافية للزراعة بمواجهة نقص المياه، على الأقل بدون ري مكثف، بينما قد يحصل آخرون على الكثير من المياه. إلا أن المحاصيل ليست الكائنات الحية الوحيدة التي يتوسع مداها مع ارتفاع درجات الحرارة: تنتشر أيضًا الآفات ومسببات الأمراض، التي غالبًا ما يتم موتها في الشتاء البارد.
أخيرًا، لن يؤدي التوسع الشمالي للأراضي الزراعية إلا إلى حد ما نحو التخفيف من الضرر الذي قد يلحقه تغير المناخ بالزراعة، لأن المجتمعات التي ستستفيد منه هي في الغالب دول ثرية بالأساس، بينما ستعاني المناطق الفقيرة، التي تعتمد بشكل أكبر على الدخل من تصدير المنتجات الزراعية. لذا، ستكون هناك حاجة إلى مجموعة واسعة من الجهود لمواجهة الموقف وسيشمل ذلك تطوير المحاصيل على تحمل درجات الحرارة الأكثر دفئًا، مثل التربية الذكية للمحاصيل، والتقدم في أساليب الري والحماية من الأحوال الجوية القاسية..