صبار عابر العنزي
أصبح الإعلام العالمي منفلتاً لا تردعه قوة ولا قيم في منظور المحللين الاعلاميين، ولكنني أرى غير ذلك فالإعلام الدولي مختطف ويؤدي دوره على أكمل وجه استجابة لرغبات من يريدون السيطرة على العالم ومقدرات الشعوب، ويبقى الاعلام العربي «كالأطرش بالزفة» كما يقول اخواننا المصريون، فلا يمكن للقائمين عليه فتح نافذة الحرية للنخب الفكرية لمواجهة هذا المد الناعم والسلس الذي يعتمد في خطابه على الشباب من الجنسين والمرأة والطفل ويجيد اصحاب العقول ولا يمكن لهذا الاعلام إغلاق النافذة أيضاً في وجه الحريات لذا بقي يراوح في مكانه، خصوصاً مع بدء تنفيذ أجندة الفوضى الخلاقة واجتياح ظاهرة ما يسمى ظلما وبهتانا «الربيع العربي» واندلاع الثورات الشعبية بشكل تتابعي, بدأ الباحثون والمحللون في ميادين التخصصات المختلفة بدراسة التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكبرى التي اجتاحت عدداً من البلدان العربية ومعرفة دور وسائل الإعلام في هذه التحولات، وكيف تجلى هذا الدور في وسائل الإعلام التقليدية منها والجديدة.
ويقف الإعلام المعاصر مشدوها مرتبكا لا يدري اين تتجه البوصلة رغم انه ليس ببعيد عن رسم المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً مع بزوغ نجم وسائل الإعلام الجديدة التي أخذت تزاحم الوسائل التقليدية, وتجلى ذلك بوضوح في البلدان التي تفجرت فيها عوامل الحراك السياسي، والاحتقان الاجتماعي في الآونة الأخيرة.
وبكل تأكيد ندرك أن الاعلام العربي تعامل مع الثورات العربية كعادة العرب بانتماء عاطفي لمذهب أو لحملات الرأي العام، لهذا انقسم العرب وتقاتلوا وكفروا بعضهم واتهموا البعض بل انهم تركوا لب الموضوع وتجاوزوا إلا ما هو أصعب وهو معايرتهم لبعضهم بالخيانة أو العمالة وتركوا أعمال العنف والتحولات السلوكية واللفظية، وما هو أهم من ذلك دمار مقدرات الشعوب العربية.
والإعلام الغربي اخترق الفكر العربي ومازال يصور الثورات العربية على أنها هي حركات احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت متأثرة بالثورة التونسية التي اندلعت جراء إحراق محمد البوعزيزي نفسه ونجحت في الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، وكان من أسبابها الأساسية انتشار الفساد والركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية، إضافة إلى التضييق السياسيّ والأمني وعدم نزاهة الانتخابات وكأن هذه المسببات معدومة نهائياً في بلدانهم.
وقد انتقد المشاركون في الجلسة الخامسة للملتقى الإعلامي العربي، الدورة الثامنة، تعامل وسائل الإعلام العربية من خلال تغطية ملونة لأحداث الثورات ولجوئها إلى التعتيم على حقيقة الأحداث وهو ما أثر على مصداقيتها لدى المواطن العربي، مشيرين إلى أهمية أن تتحول تلك الوسائل للأداء المتزن الذي يتميز بالمصداقية.
حيث أكد الكاتب الصحافي سامي النصف «أن البلاد العربية بحاجة إلى تغيير ولكن عليه الا يرتبط بالانتقام والتسويق له الذي يعود بنا إلى مرحلة التأزيم وما صاحبها من إلقاء الناس في السجون وبيع احلام وردية واستخدام الإعلام لتسويق الهزائم، وذكر الكاتب السعودي الأستاذ يوسف الكويليت أن اعلام الدولة عبر السنوات الماضية كان هو المسيطر تاركاً الأثر السلبي على الناس لافتاً إلى أن الشعوب العربية عاشت الاعلام المزيف والشعارات، لتوافر عناصر تشتري ذمم مجموعة من الصحافيين، الأمر الذي دفع الناس والشعوب إلى سب الإعلام المزيف.
أخيراً.. الأزمات التي تمر بها البلدان لا تنقطع بل إنها تتكاثر في عصر التقنية الحديثة وتتنامى وصوت الحكمة صار يطفو عليه أصوات كثيرة، لذا علينا دراسة ثقافة الشعوب القوية واستخلاص توجهاتهم الاستشرافية والعمل على حماية أنفسنا بالحكمة والروية، وعلينا أن نحافظ على شبابنا بتزويدهم بالمعلومات الصحيحة النقية الخالية من الشوائب حتى لا يصدم جيل قادم بما صدم الأجيال الماضية، وحتى لا يكون الاعلام أجيراً ووقوداً لثورات تريد تمزيق جسد هذه الأمة العظيمة القوية برجالها حكاماً وشعوباً.