د.شريف بن محمد الأتربي
أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- برنامج تنمية القدرات البشرية ضمن (رؤية المملكة 2030)، حيث يسعى البرنامج إلى أن يمتلك المواطن قدرات تمكنه من المنافسة عالمياً، من خلال تعزيز القيم، وتطوير المهارات الأساسية ومهارات المستقبل، وتنمية المعارف.
ويركز البرنامج على تطوير أساس تعليمي متين للجميع يسهم في غرس القيم منذ سن مبكرة، وتحضير الشباب لسوق العمل المستقبلي المحلي والعالمي، وتعزيز ثقافة العمل لديهم، وتنمية مهارات المواطنين عبر توفير فرص التعلم مدى الحياة، ودعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، مرتكزاً على تطوير وتفعيل السياسات والممكنات لتعزيز ريادة المملكة.
سيركز برنامج تنمية القدرات البشرية - بإذن الله - على تعزيز القيم وتطوير المهارات الأساسية، ومهارات المستقبل وتنمية المعارف في مختلف المجالات. مما يمكن المواطن من المشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية محلياً والمنافسة في سوق العمل عالمياً.
ومع انطلاق هذا البرنامج وارتباطه الوثيق بالتعليم واحتياجات سوق العمل، نجد أن أغلب مؤشرات الأداء، وربما جميعها (المستخدمة حاليًا)؛ إما تحتاج إلى تعديل، أو ربما يتم التخلي عنها تمامًا.
والمؤشر Indicator: هو عامل، أو متغير كمي، أو نوعي يوفر وسيلة سهلة موثوقة لقياس الإنجاز، أو للكشف عن التغيرات المرتبطة بالتدخل الإنمائي، أو للمساعدة على تقدير أداء متدخل.
أما مؤشرات الأداء Performance Indicators: فهي مجموعة من المقاييس الكمية والنوعية تستخدم لتتبع الأداء بمرور الوقت للاستدلال، على مدى تلبيته مستويات الأداء المتفق عليها وهي نقاط الفحص التي تراقب التقدم نحو تحقيق المعايير.
وتقويم الأداء Performance Evaluation: هو العملية التي يتم من خلالها إخضاع أداء المقوَّم (إن كان فردًا أو مؤسسة أو نظاماً) للحكم والتقدير بصورتيه الكمية والنوعية، وذلك انطلاقًا من المعنى الذي اعتمده من يقوم بالتقويم في فهم الأداء وفي ضوء الأهداف المعتمدة من خلال استخدام بعض المقاييس المرجعية التي تساعد على فهم العلاقة بين مختلف العناصر الخاصة بالتقويم وإدراكها.
وتضم مستويات مؤشرات الأداء كل مما يلي:
« أداء الأفراد في وحداتهم التنظيمية.
« أداء الوحدات التنظيمية في الإطار العام للمؤسسة.
« أداء المؤسسة كلها في إطار بيئتها الداخلية والخارجية
وفي مجتمعنا التعليمي هناك العديد من الوحدات المتكاملة والممثلة للنظام التعليمي، منها مثلاً: إدارة التعليم، والمدرسة، والإشراف التربوي، وأيضًا القطاعات الأخرى مثل: التنسيق والقبول، والتوجيه والإرشاد، ...إلخ؛ والتي تمثل كل واحدة منها وحدة بذاتها بأفرادها، والذين يمثلون المؤسسة الكبرى، وزارة التعليم.
والتغيير المتوقع في مؤشرات الأداء عطفًا على برنامج تنمية القدرات البشرية، ستشمل جميع عناصر التقييم، ولعل أبرزها ما يتعلق بالمعلم والطالب. وفيما يتعلق بالمعلم؛ هناك ثلاثة جوانب أساسية في تقييمه، تشمل أداءه الوظيفي، وصفاته، العلاقات مع الغير.
فيما يتعلق مع الأداء الوظيفي، هناك عناصر عدة أجدها من وجهة نظري تميل إلى الجانب الإداري أكثر من الجانب المهاري والمعرفي، فهناك مثلاً ما يشير إلى الإلمام بنظام العمل وإجراءاته، والمحافظة على أوقات الدوام، وتوزيع المنهج، تنظيم النشاط المدرسي. فيما جاءت أغلب معايير تقويم الأداء التعليمي متعلقة بالتمكن من المادة العلمية، الإلمام بالأسس التربوية في إعداد الدروس وتطبيقها، المهارة في عرض الدروس، و....
هذه الجوانب التقويمية تحتاج إلى إعادة بناء لتحقيق أهداف برنامج تنمية القدرات البشرية، فنحن نحتاج على سبيل المثال إلى معلمين ملهمين؛ وهنا يأتي التساؤل: كيف يمكن قياس قدرة الشخص على الإلهام؟ ففي كتاب البحث عن الملهمين للدكتور محمد جاسم بوحجي، ذكر أن المعلم الملهم هو الذي يقدر أن عادات الملهمين وقناعتهم لا تتشكل إلا من خلال صناعة الرغبة وبناء المعرفة، وهي تتميز لدى كل ملهم بحجم قدرته على الاستكشاف لما يجب أن يفعله، ولماذا يفعل ما يجب أن يفعله وبحيث تعطيه الشخصية المستقلة التي تميز كل الملهمين، ومن ثم تبني سلوكياته ومهاراته المناسبة بالتدريج. وهذا يؤدي بنا إلى دراسة المقررات الجامعية للطلبة المرشحين أن يكونوا معلمين في يوم من الأيام، وقدرة هذه المقررات على توليد الإلهام والإبداع لدى هذا المعلم الصغير قبل انخراطه في سوق العمل، بحيث يصبح الإلهام جزءًا لا يتجزأ من شخصيته، وبالتالي ينعكس على طلابه.
كما نحتاج إلى معلمين رقميين، يستطيعون العمل مع طلاب يفوقونهم في المهارات الرقمية، لذا فإن معايير المعلم الرقمي التي سيتم وضعها ضمن إطار مؤشرات الأداء الجديدة ينبغي أن تتفق مع مهارات الطلبة الذي سيقوم المعلم بتدريسهم، بل وتفوقها أيضًا.
وبالنسبة للطلبة فإن مؤشرات الأداء ينبغي أن تتجه نحو المهارات التي يتبناها البرنامج، بحيث تكون المهارات هي أساس المقررات الدراسي، ويوضع لها مؤشرات أداء خلال فترة تدريس المقرر، وتربط هذه المهارات بمخرجات، سواء كانت مشاريع، أم أبحاث، أم تجارب، ولا يغفل بالطبع الجانب المعرفي، فهو الجانب المنمي للمهارة، والضابط لها.
إن تغيير مؤشرات الأداء في ضوء برنامج تنمية القدرات البشرية لا يجب أن يقتصر فقط على العملية التعليمية سواء التعليم العام أو الجامعي أو حتى التعليم الفني، بل يجب أن تشمل كل من له علاقة بهذا البرنامج، بحيث تكون جميع المعايير ومؤشرات الأداء تصب في خانة واحدة: مواطن منافس عالميًا.