د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
ترتهن فوائض وعجز ميزانيات السعودية في السنوات الماضية بأسعار النفط وإيراداته، أي ارتهان الدولة والمجتمع والتنمية لإيرادات دخل وحيد وهو النفط ما يعد خللاً هيكلياً حرم الدولة والمجتمع من قيم مضافة قائمة على خلق ميزات تنافسية المعتمدة على المهارات والقدرات التقنية والتكنولوجية.
دائما كانت التحليلات الاقتصادية للميزانيات الماضية قبل عام 2016 ترتكز على فوائض مداخيل النفط أو العجز في انخفاض مداخيل النفط، فمثلا التحليلات الاقتصادية كانت تشير إلى أن أكبر فائض للميزانية كان في عام 2008 حيث بلغ الفائض 581 مليار ريال، بارتفاع 75 في المائة عن عام 2007، وأيضا سجلت الميزانية السعودية من عام 2004 إلى 2013 فوائض نقدية تراوح ما بين 100 مليار إلى 400 مليار ريال، لكن تراجعت إيرادات النفط فجأة في عام 2009 بأكثر من 50 في المائة لتصل إلى 434 مليار ريال بسبب انخفاض الطلب على النفط نتيجة الأزمة المالية التي ضربت الولايات المتحدة في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009، كذلك حققت الميزانية عجزاً خلال عامي 2001 و 2002 بسبب أزمة أحداث 11 سبتمبر 2001 نتيجة ما مني به الاقتصاد العالمي من ركود.
أيضا حققت ميزانية عام 2014 عجزاً بنحو 66 مليار ريال حيث بلغت الإيرادات 1044 مليار ريال وكانت المصروفات 1110 مليارات ريال عندما كان متوسط سعر النفط فوق 100 دولار للبرميل خلال أعوام 2011، 2012، 2013، سجلت الميزانية في تلك السنوات إيرادات من النفط تتجاوز التريليون ريال، بينما سجلت ميزانية عام 2020 عجوزات 294 مليار ريال، ويتوقع أن يسجل عام 2021 نحو 85 مليار ريال ونحو 52 مليار ريال في 2022 وتبدأ ميزانية عام 2023 بتحقيق فوائض ولكن هذه الفوائض ليست كما كانت في السنوات التي تسبق عام 2016.
هناك مسار مرسوم وفق رؤية المملكة 2030 التي أعلن عنها في 25 أبريل 2016، سميت بخطة ما بعد النفط، وهذا لا يعني التخلي عن النفط بل بالعكس السعودية تدافع عن حصصها وعن أسعار النفط لدعم تحقيق رؤية المملكة حيث تبنت رؤية المملكة مشاريع حكومية عملاقة بحاجة إلى ضخ أموال كبيرة جدا لتحريك عجلة الاقتصاد ودفع القطاع الخاص نحو الشراكة مع القطاع العام.
رغم أن البعض يرى أن فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط القياسي أثر في إيرادات الدولة وهذا صحيح لكنه أعطى دفعة قوية جدا في أهمية مواصلة مسيرة رؤية المملكة 2030 واستثمار الفرص والتركيز على الأولويات الحيوية التي تسرع من تحقيق نقلة نوعية وسريعة جدا للتحول من العجز إلى مرحلة الفوائض.
وما زالت المملكة تستند على حوائط صلبة حيث تمتلك أصولاً احتياطية كبيرة جدا وصلت إلى 1.67 تريليون ريال بنهاية يونيو 2021 مسجلة نمو بنحو 2 في المائة بما يعادل 32.9 مليار ريال، كما يمتلك صندوق الاستثمارات العامة نحو 1.5 تريليون ريال ويتوقع أن يصل إلى 4 تريليونات ريال في عام 2025، فيما بلغت ديون السعودية حتى الربع الأول من 2021 نحو 901.36 مليار ريال، ووفق وكالة ستاندرد آند بورز في 2021 أن الدين العام في الاقتصادات المتقدمة سيقفز إلى 134.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وجاءت السعودية بين أقل 30 دولة حول العالم في الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حيث يبلغ 32.5 في المائة عام 2020 وهو الأقل خليجيا بعد الكويت، رغم ذلك هي مستمرة في التركيز على ضبط الإنفاق لتحقيق استقرار الوضع المالي، وإن كان تحسن الوضع المالي للسعودية بفعل قفزة في الإيرادات مع زيادة إنتاج النفط وأسعاره.
يتوقع أن تتحول موازنات الدولة منذ عام 2023 تحقيق فوائض مالية انعكاسا في الاستمرار في التوسع التنموي ودعم النمو الاقتصادي حتى تتمكن الدولة من تعزيز مفهوم الاستدامة المالية وتقوية الوضع المالي للسعودية في مواجهة التحديات المحلية والعالمية حتى لا تظل رهينة لتذبذب أسعار النفط ورهينة لدخل آحادي.
وسيكون قطاع النفط أحد قطاعات الطاقة، وسيتحول أيضا إلى قطاع إنتاجي مستدام، ويمثل تعافي الأداء الاقتصادي نتيجة تعاف مستمر في أغلب الأنشطة الاقتصادية، مع توقع تعافي أسرع في بعض الأنشطة الاقتصادية التي ركزت عليها رؤية المملكة ستتجاوز مستويات ما قبل جائحة كورونا نتيجة مواصلة الدولة في الإنفاق على المشاريع الكبرى وبرامج تحقيق الرؤية بما يدعم مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي تتيح مزيداً من الفرص أمام القطاع الخاص في قيادة الفرص الاستثمارية والاستمرار في خصخصة بعض الأصول والخدمات الحكومية وتطوير مشاريع البنى التحتية المدعومة باستثمارات صندوق الاستثمارات العامة من خلال استراتيجيته المعتمدة في تنمية القطاعات الاقتصادية المحلية.
** **
- أستاذ بجامعة أم القرى بمكة