الإنسان الصادق؛ هو ذلكم الذي لا يخادع نفسه ولا من حوله، تجده يسدِّد ويقوِّم، يوجه ويرغِّب، يحث ويعلِّم.. وابن إدريس غفر الله له من جيل كان كذلك، ومن هنا، فإننا عندما نفقد شخصاً من هؤلاء نشعر بعظم الفقد، لأنه صنع حياته بصعوبة، وعلم الأجيال بعده معنى العلم، ودور الكفاح في تحصيله:
فلم يأته العلم بضغطة زر،
ولم يتوافر له الكتاب الذي على الرفوف،
ولم تتهيأ له لقمة العيش إلّا بعرق وكفاح وسعي..
إن عبدالله بن إدريس من جيل مضى إلى ربّه وقد خلّفوا تركة ثقيلة تذكر لهم فيشكرون عليها، وهي تركة مجلّلة بالاحترام، رأس مالها التواضع؛ فلم يعرف أصحابها للكبرياء باباً، ولا للخيلاء طريقاً، ومحتواها الفكر الذي فلقوه من صخر، ولم يبنوه من تراب..
جيل ثقافته ثقافة أصيلة،
خدموا الثقافة بصدق..
لا يمارون ولا يجاملون، احتلوا مكانة زاهية؛ لأنهم طلبوا العلم من أجل العلم، فكانت الحياة هي شهادتهم، بل كانت مدرستهم ومن هؤلاء (ابن إدريس) الشاعر والمؤلف.
عرفته أول ما عرفته عن بعد من خلال وقوفي على ديوانه (في زورقي) رامزاً فيه للحياة وبلغة طيّعة، غير موغلة في الإبهام وذلك عندما كنت أرصد الحركة الثقافية في مجلة الفيصل، وكذلك عند وقوفي عند كتابه (شعراء نجد المعاصرون) فقد كنا أيام الدرس في الجامعة وقبل خمس وأربعين سنة تقريباً نقف عنده لقراءة بعض الأعلام، وقد افدت منه أيما فائدة، وما زالت إلى الآن...
ثم عرفته عن قرب، عندما ألقيت محاضرة في النادي الأدبي في الرياض قبل سبع وعشرين سنة عن: (الأدب الأندلسي بين حقيقته ومحاولة اغتياله)، إذ دلفت للنادي ليلة المحاضرة وكان في مقدمة الحاضرين هو والشيخ عثمان الصالح غفر الله لهما، وقد ترك اجتماع مجلس الإدارة للنادي من أجل تشجيع هذا الضيف وسماع ما سيقوله، تاركاً إدارة المحاضرة للدكتور محمد الشويعر غفر الله لهم جميعاً. إن في حضوره هو والشيخ الصالح وإدارة الشويعر وبعض الحاضرين قد كان له صدى في نفسي، بل إنني أكبرت في هذين الشيخين الجليلين بقائهما إلى نهاية المحاضرة والمناقشات التي أضافت لها علماً أفاد منه المحاضر.
إنني أقول ذلك لأذكر جيل ما عرف التكبّر ولا الكبرياء، بل حياتهم كلها تتسم بالتواضع، وفي ذلك دلالة على أن الحياة قد صقلتهم وعلّمتهم، فكانوا تلامذتها المتوشحون بعلمها..
رحم الله ذلكم الجيل رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جنانه، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}..
** **
- د. عبدالله ثقفان