اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
عادةً ما يكون تسلّم المنصب الجديد مقروناً بالتحدي الذي يدفع شاغل هذا المنصب إلى الجد والاجتهاد لكي يثبت وجوده وقدرته على أداء المهمة وإنجاز الأمانة التي يتحمّل مسؤولية القيام بها أمام القيادة الأعلى، الأمر الذي يتطلب منه أن يستهل يومه الأول في منصبه الجديد بروح متطلعة إلى الأمام ووجدان يملؤوه الاعتماد على الله سبحانه وتعالى ثم الثقة بالنفس وقوة الإرادة، مؤمناً بأن قدراته وصفاته هي التي أوصلته إلى هذه المنزلة التي تمثّل معلماً على طريقه الطويل، عاقداً العزم على تطوير ذاته والاستزادة من المعرفة والدراسة والممارسة وامتلاك ناصية العلوم والمعارف على نحوٍ يكفل له النجاح في مهمته وتأدية عمله على أحسن ما يكون الأداء.
وسواء أكان هذا المنصب الجديد هو أول منصب يتقلده شاغله، أو سبقه العديد من المناصب ذات الأهمية في حياته، فسوف تكون له لذته نتيجة لما يترتب عليه من خبرة إضافية تضاف إلى الرصيد السابق إذا ما أحسن أداء عمله بأمانة وكفاءة.
والواقع أنه يوجد أمام شاغل المنصب الجديد الكثير من الأعمال والمهام التي يتعين عليه معرفتها قبل إصدار أحكامه واتخاذ قراراته، مما يُحتم عليه تدوين الملاحظات والمشاهدات والاسترشاد بتوجيهات من فوقه والاستفادة ممن هم دونه، وعدم التردد في طلب المشورة وقبول النصيحة، مراعياً الكياسة في التعامل، ومظهراً الثقة والإحساس بالمسؤولية.
وترتيباً على ذلك فإنه ينبغي من شاغل المنصب الجديد منذ الأيام الأولى أن يستحضر قدرته، ويستنهض همته في سبيل إجادة دوره الوظيفي وفهم مجاله المهني بشكل عميق وصورة دقيقة، معتمداً على المصادر الصحيحة والتوجيهات والإرشادات الصريحة، والنصائح المخلصة، علاوة عل كل ما يحصل عليه من المعلومات ويطلع عليه من السياسات المرسومة والتعليمات والإجراءات المستديمة التي بقدر ما يطلع عليها ويتعامل مع الموقف على ضوئها بقدر ما يؤخذ عنه الانطباع الحسن من قبل الأتباع الذين يحاول جاهداً أن يظهر أمامهم بالمظهر اللائق.
وحتى يصل شاغل المنصب الجديد إلى هدفه فإنه مع حلول المساء من كل يوم لا غنى له عن أن يعكف على دراسة مهام الغد لكي يتعامل مع أعمال منصبه بثقة واقتدار، مدركاً لأسرارها ومراميها، وقادراً على الإبداع في تنفيذها والتغلب على كل ما يصادفه من مشكلات وعوائق في طريق إنجازها.
وقمين بشاغل المنصب أن يعلم عندما يتسلّم منصبه الجديد أهم مسؤوليات هذا المنصب قبل أن يبحث عن سلطاته، وعندئذ سوف يجد نفسه على مفترق طرق كثيرة يؤدي احدِها إلى النجاح الأكيد، بينما تقوده الطرق الأخرى إلى الفشل والخسران المبين.
ورغم أن صاحب المنصب الجديد يجب عليه التحلّي بروح التحدي والإقبال على العمل بروح وثابة والربط بين مهمة اليوم والغد والأسبوع التالي، فإنه يتحتم عليه التصرف بعقلانية والانسجام مع سياسة العمل وتوثيق الإجراءات والربط بين الإجراء والمبرر مع توطين النفس على استخدام الفكر وحسن التصرف واتباع المسار القيادي الذي يحترم منظومة القيادة ويحسن التعامل مع الرؤساء والمرؤوسين في بيئة يسودها العدل وقيادة القدوة.
وانطلاقاً من أن معرفة المرؤوس تعادل إتقان المهنة وعن طريقها تسهل قيادته والتعامل معه، فإن ذلك يستدعي من شاغل المنصب الجديد استهلال عمله بالموازنة الدقيقة بين النظرة الفردية والنظرة الجماعية التي يتحكم فيها صغر وكبر حجم الوحدة، ويتم على أساسها توفير المعلومات الضرورية من واقع سجلات وأضابير المرؤوسين لتقدير الفروق الفردية بينهم واستخلاص المعلومات التي ترشد إلى تحديد مستوياتهم وتخصصاتهم بالإضافة إلى تذليل كل ما يعترض طريقهم من صعوبات في سبيل انجاز مهمة المنظمة أو الوحدة وتحقيق أهدافها.
وحلول شاغل المنصب محل آخر من الأمور المألوفة التي يراد منها التجديد ودفع عجلة التطوير إلى الأمام بصرف النظر عن ما يحدث من ممارسات شاذة لا يُقاس عليها، وفي جميع الأحوال فإن شاغل المنصب الخلف قمين به أن يبني على ما أسسه سلفه، معززاً مواطن القوة، ومعالجاً مكامن الضعف، بعيداً عن النرجسية الذاتية التي يحاول البعض من خلالها وضع نفسه في دائرة الضوء، متبّنياً كل عمل جيد، وناسباً كل نقص إلى سلفه على حساب المصلحة العامة.
وإذا ما تحلى شاغل المنصب الجديد بالواقعية وظهر عليه حسن النية، متأنياً في إجراءاته، وحاسباً خطواته استطاع التعامل بفعالية مع الواقع على النحو الذي يضع عملية التغيير في نصابها الصحيح، ويتجه بها في الاتجاه المريح، أما إذا ما تعجل في تقديراته وأحكامه، واشتط به المزاج في تصرفاته وممارساته فسوف يُخطئ من حيث أراد التصحيح ويضع مستقبله في مهب الريح.
وعندما يجعل صاحب المنصب المصلحة العامة نصب عينيه ويتبع النهج القيادي السليم والأسلوب الريادي الحكيم في بداية عمله في المنصب الجديد فإنه بهذا الصنيع يكسب ثقة المرؤوسين وثقة القيادة التي يأتمر بأمرها ويعمل لخدمتها، وذلك بفضل مبادرته للتعرّف على المهمة والمرؤوسين ومختلف الإجراءات والتحلي بالمسؤولية لكبح جماح السلطة، والإحاطة بكل ما يفضي إلى بداية موفقة ومصلحة محققه مع التعامل العادل والتصرف الواقعي تجاه موروث سلفه في المنصب، مستفيداً من الإيجابيات ومحيداً السلبيات، ونائياً بنفسه عن سوء التدبير والاستعجال بالتغيير.