د. خيرية السقاف
من الذي تنوف بين يديه أشجارٌ تخضر فتُزهر، أو تُثمر، تميل، أو تستقيم،
تتفرع غصونها، تلتف أوراقها، تهفهف مع نسيم عابر، أو تقف صامدة دون حراك في غيابه، ترتعش زهوًا بغيث هاطل، أو تمحل في خريف عابر..
ويحسب أنَّها لا تتكلم ولا تقول شيئاً؟، أو إنها لا تتحدث إلى بعضها، وتتناغم في عنفوانها، أو وهنها!؟..
من ذا الذي يحسب ذلك؟!
إن هناك أحد فإنه غافل عنها، أو متجاهل لها، أو فاقد للشعور بها..
إن الأشجار كالإنسان، إن تمعن هذا الإنسان في نبات طُلعَتها، وتأملها في نموها وحالاتها، لسمع صوتها الهادئ المتسلل لشغاف العقل، والنفس..،
ولعرف طبيعتها، ولإدرك أنها كالأم في محضنها، والأب في انتباهه،
كالجار في شراكته، والإخوة في توادهم،
كالصديق في عنايته، والرفيق في ألفته،
بل كالأليف في شغفه ولهفته..
الأشجار تتحدث بلى، تتحدث وتقول كثيرًا:
مع بعضها تتحدث، وإليك تفعل..
ذلك حفيفها يقول، وتلك التفافاتها تعني،
وسقيا تنساب في تربتها الممتدة بها تتماس جذورها في عمق ثراها تعطي، تغسلها فوق سطوحها، تنساب إليها بين مسام تربتها،
هذا الفراغ يحتويها متجاورة في حالات مناخه، وطقوس مواسمه فتكون في آثاره معًا..
ألا تقصدها العصاقير، وتأمنها المخلوقات الصغيرة، فتكنفها دون ملل، ولا شكوى؟؟
وتندس في أحضانها أشعة الشمس، وسدول الليل، وأغبرة الريح،
ألا تمنح برد الظل، وعبق الزهر، وفسحة الخيال، وطعم الثمر؟..
ألا تكون للشتاء وقودًا؟ وللصيف ظلاً، وللربيع زهوًا؟ وللخريف تأملاً؟!..
أنتم هل تسمعونها؟، أتشعرون بها؟..
هل تتفكرون في حديثها؟، وتتأملون في عطائها؟..
هل تدركون ما تقول في كل حالاتها؟؛
فرحها خضراء يانعة، أو صفراء حزينة؟!..
حين تشيخ أتقرؤونها عمرًا أعطت، قالت ومدَّت، وهبت، وأوفت؟..
هذه الأشجار من حول الناس في متاه غفلتهم عنها، يركضون في كل اتجاه، وحين يؤوبون لمخادعهم، تكون هي في صمتها تعمر حدائقهم، بساتينهم، مزارعهم، شوارعهم، ومنعطفات مساراتهم وحيدة تحاكي مصابيح المدن، أو في النهار لا يعبؤون بها هؤلاء السادرون!!..
تتكلم وحدها..