تلقيت نبأ وفاة محمد إبراهيم المسعد -رحمه الله رحمة واسعة-، حيث كان يلقبه الناس (بابن مسعد) وتمت الصلاة عليه في الرياض وفي القصب، حيث دُفن في مقبرة القصب بحضور جموع كبيرة من المصلين. وأحزنني الخبر كثيرًا وكل من عاصر زمن الثمانينيات. لقد عرفه الكثير بعصاميته وصدق تعامله وطيبته وانشغاله عن الناس فكان عصاميًا منذ طفولته، حيث عاش يتيمًا وهو ابن الثانية عشرة من عمره واضطر للعمل في بعض مزارع القرى المجاورة وهو صغير ليكسب قوته ويصرف على والدته وأختيه الاثنتين وتحمّل الأمانة كرجل البيت الأول وهو لا يزال طفلاً وبعد سنوات من العمل في المزارع وبأجر زهيد وبعد أن اشتد عوده وأصبح شابًا توجه إلى الرياض ليعمل مع بعض رجال القصب في مهنة (الحمالة) حمل وتنزيل البضائع لفترة من الزمن ثم اشترى سيارة وأصبح يعمل عليها مع وجود المعاوني الذي يرافقه في رحلاته ما بين القصب والرياض ومكة في وقت الحج وذلك لعدم وجود طرق مسفلتة إلا قليل جداً. هذا هو الجانب العصامي لليتيم أبي إبراهيم وبعدها كان له قصص كثيرة مع أهالي القصب والقرى المجاورة. فكانت سيارته شبه الوحيدة وذلك لما يتمتع به من حرص وأمانة وسعة خاطر فكانوا يطمئنون عندما يرسلون رسائلهم وحاجاتهم مع ابن مسعد لثقتهم به عند نقل ما يحتاجونه ودون مقابل، حيث كان -رحمه الله - ينقل الدقيق من الرياض إلى شقراء وإلى القصب وعدد من المدن والقرى التي تكون في طريقه لسد احتياج المخابز إضافة إلى المواد الغذائية والمواد الأخرى التي يحتاجونها وكانت السيارات في السبعينات والثمانينات قليلة جداً وإن وجدت فتحركاتها قليلة وأسعارها غالية. لكن من نعم الله على أهالي القصب وجود الملح الذي ينقل يوميًا من القصب إلى الرياض بشكل أساسي وإلى بقية المناطق منذ حوالي 70 سنة حتى الآن مما سهل عمليات النقل بين القصب والرياض.
أبو إبراهيم لم يكتف بهذه الخدمات فكان ينقل مشغولات المواطنين من الخوص وسعف النخيل التي يتم صنعها من الأسر ويبيعها لهم في الرياض دون أن يتقاضى شيئًا أو يتذمر من ذلك، بل كان يقضي حوائجهم برحابة صدر، وكانوا ينتظرون قدومه بكل شوق ولهفة سواء من كانوا في الرياض أو عند عودته إلى الديرة بالقصب مقر سكنه لما يحمله من الخير من أقاربهم إما رسالة وهي ما تُسمى بـ(الخط) أو مواد غذائية من أقاربهم أو ممن يعملون في الرياض ويرسلون لأسرهم ما يحتاجونه أو يحمل راكبًا من أقاربهم ليفرحوا بقدومه كما شملت خدمته أيضاً لطلاب المدارس وكان ينقل طلاب الصف السادس الابتدائي للتصوير في الرياض، حيث كانت إدارة التعليم بشقراء تطلب صورًا شخصية للطالب توضع في شهادة إتمام الدراسة الابتدائية وكان ينقل الركاب في غمارة السيارة وفي صندوق اللوري بشكل مستمر إضافة إلى نقل الحجاج سنويًا من القصب وقرى الوشم إلى مكة رجالاً ونساءً وذلك بأن تقسم السيارة إلى دورين يفصل بينهما قطع من الخشب وتكون النساء في الأسفل والرجال في الأعلى وتحمل السيارة أكثر من 60 فردًا أو أكثر للحج في رحلة قاسية تحفها المخاطر والتعب بطريق معظمه غير مسفلت يتعرّضون للإجهاد والخطر وسوء الأحوال الجوية من أمطار ورياح والسير في طرق وعرة ورملية. فكان تعامله الرئيسي في نقل الملح ولسنوات طويلة مع شركة الجميح لتعبئة المرطبات وكان العمل معهم حلم كل صاحب سيارة من سيارات الملح ولكنه استحوذ عليه لأمانته وصدقه في التعامل وطيبته وصراحته. فلقد كان خدومًا للجميع دون مقابل وخصوصاً كبار السن من الرجال والنساء وغيرهم من المحتاجين، كما أنه كان عطوفًا على الصغار عندما يشاهدهم بجوار سيارته ليستمتعوا بمشاهدتها نظرًا لغرابتها في ذلك الوقت، كان يداعبهم ويبعدهم عن خطرها بكل هدوء. وبعد أن كبر سنه لم يلجأ إلى السائقين خوفًا من عدم تعاملهم الطيب مع عملائه فكان حريصًا على أن يكون صادقًا في كل تعاملاته فآثر أن يبيع السيارة تاركًا أثره الطيب وسجله الناصع بالبياض كبياض قلبه وأن يفتح محلاً لأدوات البناء وكان أول محل في القصب، حيث خدم أصحاب البناء فيه واستمر على ذلك حتى كبر سنه ولم تعد صحته تساعده فأغلق المحل مؤقتًا حتى توفي -رحمة الله تعالى.
رحمك الله أبا إبراهيم وأسكنك فسيح الجنان، فلقد أديت رسالة عظيمة في وقت كان الناس في أمس الحاجة إلى وسيلة نقل ونحن نعيش رحلة في أعماق الماضي ونتذكّر الحال مع أبي إبراهيم نشاهد ما نحن عليه من نعمة وتطور ورغد من العيش تجعلنا نشكر الله على ما نحن فيه من نعمة، ونسأل الله أن يديمها علينا ويحفظ لنا قادتنا ووطننا آمناً مطمئناً إنه سميع مجيب.
** **
- محمد عبد الله الحميضي