م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني
بدأت التكنولوجيا النظيفة والمتجددة تتجه نحو المزيد من التطور والخفض في التكاليف، وأصبحت مطلبًا لكل دول العالم بعد الثورة الصناعية والتكنولوجية والسكانية لكل دول العالم، وتبحث هذه الدول عن كل إمكاناتها وثرواتها لاستبدال النفط بالطاقة النظيفة، فهناك دول بدأت تستخدم السيارات الكهربائية، وهناك دول تنتج الكهرباء من طاقة الرياح، وهناك دول اتجهت لاستخدام الطاقة الشمسية، ولكن لسوء حظها فهي لا تقع على خطوط الشعاع الشمسي الكبير، فالتلوث الناتج عن حرق النفط بدأ يهدد سكان العالم، كما أنه مادة معرضة للنضوب خلال أقل من 50 سنة إذا استمر الاستهلاك مع نموه السنوي على الوضع الحالي، قد يندب البعض حظنا ويقول إننا سنعود يومئذ لركوب الجمال، حيث إننا دولة صحراوية ليس لديها مورد إلا النفط، والجواب هو أن الله الذي هيأ لنا النفط لنكون أكبر دولة منتجة للنفط في العالم على الرغم من أن لدينا صحراء قاحلة لا أنهار فيها ولا أمطار.. قد هيأ لنا مصدرًا آخر أعظم منه وهو الذي أوجد بسببه النفط ألا وهو (الشمس)، حيث إن أشعة الشمس تسقط على صحارينا بشكل مثالي ومعظم أيام السنة بخلاف الدول الواقعة شمال وجنوب الكرة الأرضية والتي تغيب عنها الشمس معظم أيام السنة، ولو وجدت لديهم مثل شمسنا لاستغنوا عن نفطنا, ولكن الله الذي تكفل لنا بالنفط تكفل لنا بالشمس، وذلك لأن لدينا حرم الله الآمن {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا}، ورزق الله لهذه البلاد عظيم جدًا.
والمقترح الذي أسوقه هنا أن تكون الطاقة الشمسية بديلاً للنفط في التصدير، حيث إن النفط سلعة مهددة بالنضوب ومعرض سعرها للتذبذب والانخفاض، ويتم ذلك كمرحلة أولى ضمن الرؤية الطموحة رؤية 2030 ويتم من ضمن برامج هذه الرؤية استخدام الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء بالكامل في عام 2030، وهذا هدف ليس بصعب أمام همة حكومتنا الرشيدة وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان برؤيته الطموحة التي تستهدف بشكل أساسي إيجاد بدائل للنفط لتنويع مصادر الاقتصاد، ويتم ذلك حسب المراحل الآتية:
أولاً: يتم في المرحلة الأولى تأسيس (حقول للطاقة الشمسية) في ثلاث مناطق من المملكة (الشمال والوسط والجنوب) بعد الدراسات والتصاميم ونقل الخبرات، وكل هذه المناطق يوجد بها صحار شاسعة تستقبل كميات هائلة من الإشعاع الشمسي وبتعامد وزوايا مناسبة ومركزة تزيد من الطاقة الشمسية المخزنة فيها مما يقلل من تكاليف الإنتاج والتي تتطلب زيادة في مساحات الألواح المستقبلة لأشعة الشمس كما في أوروبا وأمريكا والدول التي لا ترى الشمس إلا أيامًا معدودة في السنة، ولكن الله الذي قسَّم لنا أن نعيش في أرض قاحلة أيضًا منحنا الشمس التي هي المصدر الأساسي وهي السبب الذي قدَّره الله لنشوء الأمطار ومن ثم الأنهار والغابات والحقول الخضراء، وهي السبب الإلهي لتكون النفط في باطن الأرض حيث إنه مواد عضوية مطمورة، فالله بقدرته منحنا المصدر الأساسي وهي الشمس، ولو كانت عند غيرنا لاستغلت أكفأ استغلال ولكفتهم استيراد النفط!!
ثانياً: في المرحلة الثانية يتم البدء بالتغذية بالطاقة الشمسية لبعض المدن، إما باستخدام شبكات الكهرباء الموجودة أو بتطويرها لتهيئتها لاستقبال الكهرباء المنتجة في حقول الطاقة الشمسية، وبالتالي تصدير جزء من النفط الذي يضخ لمحطات توليد الكهرباء، وهو حوالي (4 ملايين برميل نفط مكافئ)، أي أنه بحسابات الميزانية يمكن توفير حوالي 150 مليار سنوياً تدعم خزينة الدولة (بسعر متوسط للبرميل 60 دولاراً)، وإذا افترضنا أن تشغيل شبكة الكهرباء المنتجة بالطاقة الشمسية يكلف 20 مليار سنوياً فسيصبح لدينا حوالي 130 مليار ريال سنوياً (تشكل حوالي 30 %) من الميزانية العامة!!
إنه لشيء عجيب ومبرر ساطع سطوع الشمس يدفعنا للجد نحو صناعة الطاقة الشمسية بدلاً من حرق ثروتنا الوطنية ومصدرنا الرئيسي للدخل (النفط)، حيث إن 150 مليار سنوياً ستصبح مشاريع ضخمة للمدن المزدهرة، وللمطارات، والطرق والمستشفيات ويمكن أن توفر آلاف الوظائف، ويمكن أن تحل أزمة السكن!!
كما أن تأسيس مصانع لإنتاج الألواح الشمسية والبطاريات سيشكل ضربة قوية بسوق الطاقة نظرًا لوجود رمل (السيليكا) الأعلى نقاوة لدينا عالميًا وسيخفض تكاليف الإنتاج بشكل هائل.
ثالثاً: لا شك أن الانتقال من مرحلة الاعتماد الكلي على النفط والغاز لإنتاج الكهرباء يتطلب مرحلة انتقالية يمكن أن تتوافق مع رؤية (2030) والتي تهدف في الأساس إلى توفير بدائل عن النفط لتمويل الميزانية لأنه مصدر مهدد بالنضوب، والتأسيس للانتقال لمرحلة (الشمس) بدلاً من (النفط) يتوافق تمامًا مع هذه الرؤية، فالشمس -بحمد الله- مصدر (استدامة) مدى خلق السماوات والأرض، ويمكن في مرحلة لاحقة بعد أن نصبح دولة (صانعة) للطاقة الشمسية نبدأ بتصدير هذه الطاقة لتدر دخلاً بديلاً عن دخل النفط، فالعالم اليوم يتجه نحو الطاقة (النظيفة) التي تتوفر في الطاقة الشمسية، والتأسيس لمرحلة (الشمس) يتطلب وضع خطة شاملة تقوم بها (وزارة الطاقة) تبدأ بنقل الخبرات والاستشارات والدراسات والتصاميم من الدول المتقدمة، وتأسيس جامعة باسم (جامعة الطاقة الشمسية) تنقل الخبراء من دول العالم لتدريس هندسة الطاقة الشمسية، وعمل الأبحاث والتجارب عليها وتحديد المناطق الأكثر استقبالاً لأشعة الشمس، ودراسة التصنيع الأمثل (للألواح المستقبلة لأشعة الشمس) ونوعياتها وأسلوب صيانتها وتشغيلها، ومن ثم تنفيذ (حقول الطاقة الشمسية) المشار إليها في المناطق الثلاث أولاً، ويمكن البدء بثقافة الطاقة الشمسية بتأسيس مصانع (مدعومة من وزارة الطاقة) لصناعة ألواح الطاقة الشمسية وتوزيعها على أسطح مباني الدوائر الحكومية والمساجد، واستخدامها كمظلات للمواقف التي تستقبل شمسًا حارقة صيفًا، وذلك لإنتاج الكهرباء الكافي للدوائر الحكومية والمساجد. وأجزم أن ذلك سينجح -بمشيئة الله وتقديره- نجاحاً باهراً، ويمكن أن نبدأ بتأسيس (شركة الطاقة الشمسية) مملوكة للدولة (صندوق الاستثمارات العامة)، فليس هناك مستثمر سيقدم على مثل هذه الخطوة لأن ذلك يحتاج إلى بنية تحتية وقانونية وأنظمة أولاً وعدم وجود منافس، ولكن دعم الدولة لهذه المرحلة مطلب مهم للوصول للهدف النهائي لرؤية 2030 وهو الانعتاق من الاعتماد الكلي على النفط كمصدر للدخل وإيجاد مصدر دائم للطاقة النظيفة. ويأتي توقيع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان عقدًا مع (رؤية سوفت بانك) لإنتاج (150- 200) جيجاوات بنهاية 2030 كمشروع إستراتيجي ضخم يعتبر الأكبر على مستوى العالم، وهو يعبر عن عزم لا يلين وقدرة نادر وذكاء لامع لسمو ولي العهد لبناء دولة جديدة تعتمد على مصدر آخر غير النفط، وقد وضع الرؤية موضع التنفيذ ومن خلال هذاالمشروع الطموح سنتمكن من توفير 40 مليار دولار، وأعتقد أن الأثر الناتج عن هذا المشروع يفوق ذلك بكثير فستتوفر الوظائف، وتقل معدلات التلوث الناتجه عن محطات توليد الكهرباء وستختفي خطوط الكهرباء ذات الجهد العالي للتيار المتردد، بل وسنتمكن بإذن الله من تحلية مياه البحر على الطاقة الشمسية لانخفاض تكلفتها إذا تم تصنيع مستلزماتها محليًا وسهولة تنفيذ محطات التحلية على البحر واستخدام هذه المياه في زراعة المحاصيل غير الشرهة للماء مثل التمور التي يجب أن تكون خياراً إستراتيجياً، وأن نزرع صحارينا نخلاً وبما لا يقل عن 100 مليون نخلة خاصة إذا عرفنا أن هذا العدد من النخيل لن يستهلك أكثر من 20 % من استهلاكنا الحالي من المياه للزراعة.
والله ولي التوفيق