د. تنيضب الفايدي
تتكرر نجد كثيراً في الشعر ويقصد بها الهضبة التي تكون قلب شبه الجزيرة العربية بين تهامة اليمن وحدود الشام، أما صبا نجد فتكرر في الشعر أيضاً وهي رياح يحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نصرت بالصَّبا وأهلكت عادٌ بالدبور»، وصبا نجد التي تهب على المدينة المنورة ومكة المكرمة وغيرهما من مدن الحجاز من جهة الشرق أي من جهة نجد.
ولقد تكرر الشوق إلى نجد، وفيما يلي بعض أشهر ما قيل في حبّ نجد (الوطن).
قال الشاعر ويذكر الأثل وأرواح نجد (الصبا):
من معيد أيام ذي الأثل اوما
قل منها دينا على وقرضا
سامحا بالقليل من عهد نجد
ربما اقنع القليل وارضى
مهديا لي من طيب أرواح نجد
ما يداوي نكس العليل المنضى
نجد ونسيمه: تجدد الحب إلى ذلك الموقع:
اقتل أدواء الرجال الوجد
وق نجداً فالغرام نجد
حيث الرياض والنسيم انف
ودنف ما يستفيق بعد
أن الصبا إذا جرت قادحة
نار الغرام ففؤادي الزند
لا تتلق نفحة نجدية
هزلا فهزل النفحات جد
ما كبدى بعدك إلا جذوة
لها بترجيع الحنين وقد
ويتشوق الشاعر إلى ريح الخزامى وطيب تربة نجد:
ألا حبذا نجد وطيب ترابه
وارواحه ان كان نجد على العهد
ألا ليت شعري عن عويرضتي قبا
بطول الليالي هل تغيرتا بعدي
وعن علويات الرياح إذا جرت
بريح الخزامى هل تهب على نجد
وزادت رياح نجد من قوة روح الشاعر:
فهبوب الرياح من أرض نجد
قوت روحي وحبذا من مهب
يا نسيم الصبا ترنم على الدوح
بصوت يشجي وان طار لبي
من معيد أيامنا بلوى الجزع
وهيهات اين مني صحبي
وشجر العرعر النجدي يطيب في أرض الوطن:
يا حبذا العرعر النجدى والبان
ودار قوم بأكناف الحمى بانوا
وأطيب الأرض ما للقلب فيه هوى
سم الخياط مع الأحباب ميدان
وجرعاء نجد ورمله تثير المشاعر:
حب الثرى النجدي من أجرع الحمى
كاني لمن بالأجرعين نسيب
إذا هب علوى الرياح رأيتني
اغض جفوني أن يقال مريب
والشاعر يركز على نجد وكذا البكاء على تلك الديار:
بالغور دار وبنجد هوى
يا لهف من غار بمن انجدا
يا حبذا الذكرى وان اسهرت
بعدك والدمع وان ارمدا
وأرواح نجد في ثياب القادمين منها، ويطلب الشاعر منهم الوقوف ليستمتع بها:
تفوح أرواح نجد من ثيابهم
عند القدوم لقرب العهد بالدار
يا راكبان قفالي فاقضيا وطرى
وحدثاني عن نجد باخبار
هل روضت قاعة الوعساء أم مطرت
خميلة الضال ذات البان والغار
أم هل أبيت وداري عند كاظمة
داري وسمار ذاك الحي سماري
حبذا .. حبذا هل تخفف لوعة الشاعر إلى نجد:
حثوا المطى فهذه نجد
بلغ المدى تجاوز الحد
يا حبذا نجد وساكنه
لو كان ينفع حبذا نجد
ويطلب الشاعر تزود بالماء العذب الزلال لأنه ليس بعد السفر ماء بل ويتزود من نسيم الرند وبالبان لأنه لن يجدهما إذا غادر المكان، حيث جعل الشاعر نسيم الرند مع الماء الزلال.
تزود من الماء النقاخ فلن ترى
بوادي الغضا ماءً انقاخا ولا بردا
ونل من نسيم البان والرند نفحة
فهيهات واد ينبت البان والرندا
وكر إلى نجد بطرفك انه
متى تسر لا تنظر عقيقاً ولا نجدا
حتى البارق يلهب مشاعره ويذكّره نجداً:
سرى نسيم الصبا من حاجر فصبا
فبات يشكو إلى أنفاسه الوصبا
ما يبرح البارق النجدي يذكره
نجداً ويلهبه وجداً إذا التهبا
ونبات الشيح والخزامى والرند لا يثير الشجن إلا كان نجدياً:
ما أشوقني إلى نسيم الرند
يشفي سقمي إذا أتى من نجد
والشيح فإنه مثير الوجد
شوقي له ووجدي وجدي
ويطلب شاعر آخر من أصحابه أن يقفوا على الربى وذلك ليتمكن من (استرواح نسيم نجد):
خليليّ من نجد قفا بي على الرّبى
فقد هبّ من تلك الرسوم نسيمُ
قال الشاعر ذاكراً نبات نجد من الخزامى والبشام:
عسى نسمة من سفح نجدٍ تهب لي
بريح الخزامى والبشام النواضر
ويخاطب البُحتريُّ السحاب، ويتمنى أن يسقى دياره ووطنه: بلاد نجد، زرود، العقيق.
لو شئت عدْت بلاد نجدٍ عودةً
فحللْتَ بين عقيقهِ وزرُودِهِ
وهذا الشاعر حسبه من الدنيا الرجوع إلى نجد:
إذا ما قفلنا من نجدٍ وأهله
فحسبي من الدنيا القفولُ إلى نجد
وأقصى ما يتمناه شاعر آخر ضجعة فوق رمال نجد:
هل العيشُ إلا ضجعةٌ فوق رملةٍ
بنشر الخزامى والعرارُ يفوحُ
ويتأكد بأنها نجد بدليل وجود الرند والشيح والبان:
أهذي ربا نجد؟ نعم أنّـها
تدل عليها البانُ والشيحُ والرندُ
ونجد هي المجد العربي:
أجل هذه نجد فسائل ربا نجد
عن العرب الأمجاد من سالف العهد
وقال شاعر يتشوق إلى نجد الذي قطعه وجداً:
نسيمُ الخُزامى والرياحُ جرتْ
بنجدٍ علي نجدٍ تذكِّرُني نجدا
أتاني نسيمُ السدْرِ طيباً إلى الحمى
فذكَّرني نجداً فقطّعني وجْدا
والصمة بن عبد الله القشيري ذاب وجداً وشوقاً إلى وطنه نجد وطن العز والأدب، وما أجمل الكلمات التي أهداها إلى «ذروة» وهي هضبة من هضاب نجد له فيها ذكريات، ومع علو الشاعر ورفعة قدره تمنى أن يكون عبداً للراحلين إلى وطنه نجد.
خليليّ قوماً أشرفا القصر فانظرا
بأعيانكم هل تؤنسان لنا نجدا
وإني لأخشى أن عَلَونا علوة
ونشرف أن نزداد ويحكما بُعدا
نظرت وأصحابي بـ(ذروة) نظرة
فلو لم تفضْ عيناي أبصرنا نجدا
إذا مرّ ركب المصعدين فليتني
مع الرائحين المصعدين لهم عَبْدا
قال عبد الله بن الدمينة الخثعمي:
عندما هبت الصبا حيث ذكرته بمراتع الصبا:
ألا يا صبا نجدٍ متى هجت من نجد
فقد زادني مسراكِ وجداً على وجدِ
أأنْ هتفتْ ورقاءُ في رونقِ الضُّحى
على غصنٍ غضّ النباتِ من الرّندِ
يميلُ بها غصْنٌ تُكَفْكِفُهُ الصَّبا
تبكِّي هديلاً في الظلام وما تُجْدِي
بكيتَ كما يبكي الوليدُ ولم تَكُنْ
جَليداً، وأبْدَيْتَ الذي لم تكُنْ تُبْدِي
وقد زَعَموا أنّ المحبَّ إذا دَنَا
يملُّ، وأنَّ النأْيَ يشْفِي منَ الوَجْدِ
بكلٍّ تداوَيْنَا فلمْ يشْفِ ما بِنا
عَلى ذاك قُرْبُ الدَّارِ خيرٌ من البُعْدِ
ولكنَّ قُرْبَ الدَّارِ ليْسَ بنافِع
إذا كان من تهْواهُ ليْسَ بذي وُدِّ
وما أطيب أرض الوطن.. ولا سيما نجد بأوديتها وشعابها ونباتها وهوائها، كما أن الحِمى من أرض الوطن أيضاً أثارت الشاعر الصمة بن عبد الله القشيري وذاب وجداً وشوقاً:
حنَنْتَ إلى ريَّا ونَفْسُك باعَدَتْ
مزارَكَ من ريَّا وشَعْبَاكُمَا معا
فما حَسَنٌ أَنْ تَأْتِيَ الأمرَ طائعاً
وتَجْزَعَ إنْ داعِي الصَّبابَةِ أَسْمَعَا
بنَفْسِيَ تلكَ الأرضُ ما أَطْيَبَ الرُّبَا
وما أَحْسَنَ المُصْطَافَ والْمُتَربَّعَا
قَفَا وَدِّعَا نَجْداً ومَنْ حَلَّ بالحِمَى
وقَلَّ لنجْدٍ عِنْدَنا أنْ يُوَدَّعَا
ولما رَأَيْتُ البِشْرَ أَعْرضَ دُونَنَا
وجَالَتْ بَنَاتُ الشُّوقِ يَحْنِنَّ نُزَّعَا
تَلَفَّتُّ نَحْوَ الحَيِّ حَتّى وَجَدْتُنِي
وَجِعْتُ من الإصغاءِ لِيتاً وأَخْدَعَا
بَكَتْ عينيَ اليُسْرَى فَلَمَّا زَجَرْتُها
عن الجَهْلِ بعد الحِلْمِ أَسْبَلتا مَعَا
وأَذْكُرُ أَيَّامَ الحِمَى ثمّ أنْثنِي
على كَبْدِي منْ خشْيَةٍ أنْ تَصَدَّعَا
وليْسَتْ عشِيَّاتُ الحِمَى بِرواجِعٍ
عليْكَ ولكنْ خلِّ عيْنَيْكَ تَدْمَعَا
ويشتاق الشاعر إلى وطنه نجد ويحث المطيّ (أي يسرع الركب):
حُثَّ المطيَّ فهذه نجدُ
بلغ المدى وتزايد الوجدُ
يا حبذا نجد وساكنها
لو كان ينفع حبذا نجدُ
وبمنحنى الوادي لنا رشأٌ
قد ضل حيث الضال والرندُ
هندٌ ترى بسيوف مقلتيها
ما لا ترى بسيوفها الهند
وقال أعرابي:
باتت تحن بها وحدي
وأحنُّ من وجدٍ إلى نجد
وبساكني نجدٍ كلفت وما
يغني لهم كلفي ولا وجدي
وقال أعرابي:
أقول لصاحبي والعُيس تهوي
بنا بين المنيفَةِ فالضِّمارِ
تمتعْ من شميم عرارِ نجدٍ
فما بعد العشية من عَرار
ألا يا حبذا نفحاتُ نجْدٍ
وريّا روضِه غب القطار
شهور ينقضين وما شعرنا
بأنصافٍ لهنّ ولا سِرار