لإعادة النظر في ترجمة الوقت الجديد الذي خلقه الوطن للمرأة السعودية فعليّ البدء بالمجتمعات القديمة التي نجحت بتنميط دور المرأة المنبثق من كينونتها الأساسية (العاطفة – الولادة – الألم) والتقليل من أهمية أدوراها في المجالات الأخرى البعيدة عن هذه الأدوار، ولا سيما في الساحات الثقافية التي نحن في صدد الحديث عنها.
هذا التنميط وتبعاته كان له دور رئيس ووحيد يشكل رد فعل معاكس تجاه هذه الكينونة، أدى إلى تجاهل المرأة لها وابتعادها عنها وأن تظنها منزلة دونية، فضلاً عن التباهي بها في إحدى المراحل السابقة، وكان كفيلاً بأن يفتح فجوة بينها وبين مصطلحات «الولادة ومشاعر المرأة الخاصة»، ليسردها الرجل بصوته الذي لم يلمسه أو يعشه، كما قرأنا وسمعنا.
بل حتم عليها خوض صراع مرير ومختلق ليس له وجود طبيعي، لمحاولة إثبات قدراتها الفكرية والثقافية واسترداد دورها الطبيعي في الساحات الثقافية.
هذا الصراع جعلنا نقف حتى وقت قريب أمام اتجاه متطرف منهن بالتعامل مع كينونتهن وأدوارهن، فإما الانغماس في القيام بدورها «العظيم» في الساحات الثقافية - الذي أراه دوراً طبيعياً - بمساهمات ليست غريبة عن طبيعة المرأة بصفتها إنسانة، لولا ما قامت به المجتمعات القديمة من تنميط لدورها. وإما الانغماس التام في كينونتها، من عاطفة وولادة وآلام، في عزلة عن أدوراها التنموية الأخرى، ومنها الساحات الثقافية.
لكنني أتحدث اليوم من قلب المشهد، وألمس حقيقة الحال كوني واحدة منهن، وبكل شفافية وإنصاف؛ استطاعت المرأة اليوم أن تتجاوز بكفاءة صراعاً أثبت قدراتها، على رغم كونه صراعاً مختلقاً ناشئاً من معتقدات قاصرة.
كما استطاعت أن تتجاوز هذا التطرف بالتعامل مع كينونتها ودورها، والوصول إلى الموازنة الطبيعية الفطرية بالجمع بين دورها الفطري في شأن كينونتها وقوتها بها، وبين دورها «الطبيعي» وغير المستغرب في الساحات الثقافية والفكرية، والإسهام في الإنتاج.
ولعل الرجوع إلى هذه الموازنة الطبيعية السوية هو الحل لكل ما صاحب تنميط المجتمعات القديمة لدور المرأة، منها ابتعادها عن الحديث عن ذاتها التي وهبها الله بكتابة بعيدة عن القوالب والأقوال المنمطة.
إن سياسة التنميط التي أوجدتها المجتمعات القديمة نجحت فيما هو أكثر من تقليل دور المرأة في الساحات الثقافية، وخلق معارك وصراعات غير سوية أضاعت على المرأة - السعودية تحديداً -كثيراً من الوقت والجهد الذي كان يفترض أن يصب في دورها البنائي، لكنها – كعادتها - متجددة الطاقة... عظيمة الشغف... مكللة بالعزم... اجتازت ما مضى واستردت دورها الطبيعي، وفي جعبتها كثير مما لم تهدره طرق الوصول.
** **
- سارة الجهني