شروق عبدالله الثميري
الحسن والجمال نعمة يتفضل الله بها على من يشاء, وقد قدرت العرب الجمال على الإطلاق فقالوا: «الجمال ثوب جلال وعنوان وقار وتمام نظام, ينعم الله به على من يشاء من خلقه في سمائه وأرضه».
حمل الشعر العربي أوصاف الجمال كلّها, وهي كثيرة وشاملة ودقيقة. وعلى الرغم من أن الكثرة والشمول قد تؤدي إلى التنوع في الذوق, علاوة على أن إدراك الجمال والشعور به يرجع إلى الذوق الشخصي, إلا أنه يلاحظ لدى الشعراء العرب أوصاف جمالية ثابتة ومستمرة عبر العصور؛ وهذا يجعلها معايير للجمال العربي, وإذا كان الأمر كذلك فإن المعيار قلما يختلف الناس عليه.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن أوصاف الجمال خاصة بالنساء فقط؛ إذ إن جمال الرجال في مواطن أخرى ذكرها عمرو بن معدي كرب:
ليس الجمال بمئزر
فاعلم وإن رُديت بُردا
إنّ الجمال معـادنٌ
ومناقب أورثـن مجـدا
وكقاعدة عامة في الثقافة العربية فإن ما يُمدح به الرجال ذم للنساء, والعكس صحيح.
تتصف جميلات العرب بالوجه المستدير, ممزوج اللون بياض بالصفرة أو مائل إلى السمرة, يشبه الشمس والبدر والدنانير, والخدود فيه كالورود والشفاه كالمرجان أو زهر الأقحوان, والعيون سوداء واسعة تشبه عيون الظباء والبقر:
شقت لها الشمس ثوبا من محاسنها
فالوجه للشمس والعينان للريم
واستحسنوا في العيون البَرَج والدَّعَج وهما شدة البياض والسواد:
كحلاء في برج صفراء في دعج
كأنها فضة قد مسها ذهب
وقد عدّ العرب الشَّعر قسيما للوجه فقالوا:» الشعر الحسن أحد الوجهين», وهم يفضلون الشعر الناعم الأسود الفاحم الطويل المنسدل المتموج:
توارت عن الواشي بليل ذوائب
لها من محيا واضح تحته فجر
يغطي عليـها شعـرها بظلامـه
وفي الليلة الظـلماء يفتقـد البدر
ووصف الشعراء اعتدال القوام بالتفصيل, وتردد تشبيه الرشاقة بالأغصان:
تقول له الأغصان مذ هزّ عطفه
أتزعـم أن اللـين عندك ما نوى
فـقم نحتكم للـروض عند نسيمه
ليقضي على من مال منا إلى الهوى
ويعجب العرب الخصر النحيف مع الردف الممتلئ:
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة
لا يشتكي قصر منها ولا طول
تتجاوز هذه الأوصاف شعر الغزل واللهو؛ فالجمال نعمة من نعم الحياة, ولا يصور هذا الشعر الجمال فحسب, بل يعكس ذوق الرجل العربي الرفيع وإحساسه الدقيق؛ فلا تكتمل عنده هذه الأوصاف بدون الجاذبية. هناك مثال للشاعر كثير عزة مع الناقد ابن أبي عتيق, يقول كثير:
وأخلفن ميعادي وخنّ أمانتي
وليس لمن خان الأمانة دين
فقال ابن أبي عتيق: أعلى الأمانة تبعتها؟ فانكف كثير واستغصب نفسه وصاح وقال:
كذبن صفاء الود يوم محلّه
وأنكدنني من وعدهن ديون
فالتفت إليه ابن أبي عتيق فقال: ويلك! أو للدين صحبتهن يا ابن أبي جمعة؟ ذلك والله أملح لهن, وأشبه بهن وأدعى للقلوب إليهن. وإنما يوصفن بالبخل والامتناع, وليس بالوفاء والأمانة. سيدك ابن قيس الرقيات كان أعلم وأشعر منك وأوضع موضعه منهن! أما سمعت قوله:
حبّ ذاك الدلّ والـغنج
والتي في عينها دعـج
والتي إن حدثت كذبت
والتي في وعدها خلج
فالجميلة العربية صعبة المنال!.