هل تستطيع القراءة التأثير في التكوين الفسيولوجي لدماغ الإنسان، أم إنها تؤثر فقط على قوة الدماغ وقدرته على التذكر وتحليل المعلومات والوصول إلى استنتاجات؟
يقال وحسب العديد من الأبحاث العلمية أن القراءة المركزة تؤثر في فاعلية وقدرة الدماغ على العمل وبالتالي على مجمل أداء الإنسان الذهني وبالتالي قراراته التي يتخذها في كل لحظة من لحظات حياته. أما أن تتأثر المكونات المادية للدماغ وبالتالي طعمه فيما لو تذوقه إنسان فهو ما لم يقل به أحد سوى ذلك العجوز القابع في قبو مكتبة يستدرج فيه عشاق القراءة كي يصطادهم ويضعهم في زنازين ويجبرهم على القراءة وحفظ ما يقرؤون عن ظهر غيب. والسبب في قيامه بذلك حسب قصة (المكتبة الغريبة) للروائي الياباني (هاروكي موراكامي) أنه يعتقد أن من يقرأ كثيرًا ويحفظ ما يقرؤه يصبح طعم دماغه أحلى وتظهر فيه حبيبات تضفي على طعمه حلاوة أكبر.
وتدور مجريات القصة حول طفل يطرح الكثير من التساؤلات على أمه التي كانت تشجعه على معرفة الإجابات من الكتب الموجودة في مكتبة المدينة. وفي إحدى المرات التي كانت تدور في ذهنه أسئلة عن طريقة جمع الدولة العثمانية للضرائب توجه نحو المكتبة طالبًا الكتب التي تتحدث عن هذا الموضوع، حيث أشارت إليه الموظفة بالتوجه نحو قبو المكتبة حيث يمكنه الحصول على ما يريد. لكنه عندما توجه إلى هناك وجد نفسه أمام شخص عجوز أصلع (كان رأسه هكذا يبدو كجبل بعد حريق غابات كبير) سيء التعامل أعطاه كتبًا ثلاثة طالبًا منه أن يقرأها في المكتبة ولم يسمح له بإخراجها منها. وهكذا أقنعه بأن يتوجه معه إلى غرفة مخصصة للقراءة في مكان آخر من المكتبة حيث قاده إلى هناك عبر طرق ودهاليز ملتوية، حتى فوجي بأنه قد تم وضعه في زنزانة وأنه لن يخرج منها إلا بعد الانتهاء من الكتب وحفظها عن ظهر قلب. وهذا يعني أنه مجبر على القراءة والحفظ، فهم هنا يقومون بممارسة التعذيب عليه عبر القراءة. أما المفاجأة الأكبر التي أخبره بها موظف آخر هناك فهي أنه عندما ينتهي من حفظ هذه الكتب فإن الموظف العجوز الذي أوصله إلى الزنزانة سوف يقتله ويأكل دماغه الذي سوف يصبح أفضل مذاقًا من دماغ الشخص الذي لم يقرأ أبدًا (لأن الأدمغة المحشوة علمًا تكون لذيذة جدًا.. هذا هو السبب.. تكون شهية ودسمة وفيها بعض الحبوب).
وتتوالى أحداث القصة حيث يقوم الولد باستظهار أحد الكتب حيث حفظه بسرعة كبيرة، لكنه استطاع استعطاف الرجل المسؤول عنه وأقنعه بالهروب حيث تمكن من الخروج من المكتبة معه والعودة إلى منزله.
ورغم كون القصة تشدك حتى نهايتها لجمال أسلوبها وإتقان ترجمتها، إلا أنه في حال قيام الصغار بقراءتها فإنها قد تدفع بعضهم إلى الخوف من عالم المكتبات والقراءة. فالمكتبة التي يفترض أن تكون مكانًا للتزود بالعلوم تتحول إلى مكان مخيف وموقع لإنهاء حياة مرتاديها بأبشع الطرق وأكل أدمغتهم بحجة أنها تصبح حلوة المذاق. بل إن هذه القصة الخيالية تبالغ حينما تقول إن هذا يحصل في جميع المكتبات في العالم، وأن هذه هي المكافأة التي يحصل عليها العاملون في المكتبات مقابل إعارتهم للكتب.
اعتبرت صحيفة الجاريان البريطانية الكاتب أحد أعظم الروائيين على قيد الحياة بسبب أعماله وإنجازاته وقد حصل على عدد من الجوائز العالمية منها جائزة عالم الفانتازيا (2006). وقد قام بترجمة القصة إلى العربية (التي طبعت مع بعض المقالات معها) يونس بن عمارة وصدرت عن دار الزنبقة في العام 2014.
** **
- يوسف أحمد الحسن