محمد بن عيسى الكنعان
كتب الله لي زيارات متعددة لمعرض الرياض الدولي للكتاب، الذي أقُيم خلال الفترة (1 - 10 أكتوبر 2021م)، وقد جاء هذا العام مختلفًا، وكان بحق تظاهرة ثقافية مميزة، ومحفلاً دولياً عكس الوجه الحضاري المشرق للمملكة، من خلال العناية بعصارة العقول، وعطاء المطابع، وجهود دور النشر، بما يُعزز شغف القراءة في المجتمع وينميها، ويرفع من مستوى الوعي المعرفي لدى أفراده، وبالتالي يُسهم في رقي الإنسان العربي، وتهذيب وجدانه، وزيادة تجاربه، وتلمس الدروب الحقيقية نحو نهضة أمته، فكل أمة لا تنهض إلا بلغتها ونتاج ثقافتها.
والزائر لمعرض الرياض للكتاب في دورته هذه يلحظ - بلا شك - التطور الملموس في مستوى المعرض عن دوراته السابقة، سواءً على مستوى موقع المعرض، أو التنظيم، أو حجم مشاركة دور النشر، أو التجهيزات المتوافرة، أو الخدمات الإلكترونية، أو الفعاليات المصاحبة (البرنامج الثقافي، وجناح الطفل، وورش العمل المتنوعة)، أو التغطية الإعلامية، ما انعكس ذلك على ارتفاع عدد الزوار بشكل كبير، وهذا يدل على العمل الكبير والجهد المبذول، الذي قامت به هيئة الأدب والنشر والترجمة، التابعة لوزارة الثقافة حتى خرج المعرض بهذه الصورة الجيدة واللائقة، وإن كنا نطمح بأكثر من ذلك في الدورات القادمة إن شاء الله، فسقف طموحاتنا ارتفع، وتطلعاتنا دائمًا تقاس بحجم مكانتنا الدولية، فضلًا عن ريادتنا الإقليمية.
في المقابل؛ فإن العمل البشري مهما كان مُتقنًا، فلا بد أن يعتريه بعض القصور، الذي لا يُقلل من حجم نجاحه، ولكن لعل تسليط الضوء على بعض الملاحظات وأوجه التقصير يدفع القائمين على تنظيم المعرض نحو التطوير والتحسين في الدورات القادمة؛ لهذا أضع هنا ملاحظاتي متطلعًا إلى أخذها بالاعتبار ودراستها ومناقشتها. أولها أن موقع المعرض يعد استراتيجياً، كونه خارج الأحياء السكنية، وقريب من منطقة حيوية (واجهة الرياض)، وبنفس الوقت يقع على طريق مطار الملك خالد الدولي، لكن هذا الموقع المميز لم يتم استثماره بما يمنع مشكلة الدخول إليه، كونه صار في نفس مدخل واجهة الرياض، ما سبب ازدحامًا واسعًا أثر في حركة المرور على الطريق الرئيس للمطار، وكان الأجدى أن يكون هناك أكثر من مدخل إلى المعرض، وهذا يقودنا إلى مشكلة أخرى وهي عدم وجود لوحات إرشادية لمداخل ومخارج مواقف سيارات الزوار، أو بوابات واضحة تبين دخول السيارات وخروجها، فضلًا عن المشكلة التي تتكرر كل عام، وهي الطاقة الاستيعابية لمواقف سيارات الزوار، التي لم تكن تتناسب مع حجم المعرض والعدد الكبير لزواره، زد على ذلك المساحات الشاسعة الفارغة في الجهة الشمالية الغربية، والجهة الغربية من المعرض.
أما داخل المعرض فالتنظيم ظهر أفضل من السابق، فهناك ممر رئيس واسع يقسم المعرض إلى قسمين؛ وفي كل قسم مناطق وليس ممرات؛ حيث تضم كل منطقة مجموعة من دور النشر بممرات واسعة، ويعلو المنطقة لوحة تحمل حرفًا إنجليزيًا يُميزها عن غيرها، بداية من حرف (A)، ونهايةً بحرف (N)، وإن كان الأفضل حرفًا عربيًا؛ فالمعرض عربي اللسان والهوية والثقافة، أو تسمية كل منطقة بأسماء الأماكن والمشروعات الكبرى بالمملكة، مثل: نيوم، القدية، العلا،.. وغيرها. إلى جانب زيادة أماكن الجلوس والراحة، خصوصًا أن صالة المعرض كبيرة جدًا وتستوعب ذلك، وذلك باستغلال أجنحة دور النشر التي لم تحضر، أو الأجنحة التي لم تُحجز أصلًا. أما توقيته فكنت أتمنى لو تأخر شهرًا فيكون في نوفمبر، بحيث يصبح الجو العام مائلًا إلى البرودة، ما يتيح استغلال المناطق الخارجية للمعرض بشكل أفضل.