د.شريف بن محمد الأتربي
تتغير الحياة بسرعة مذهلة من ثانية إلى أخرى خلال هذا القرن على عكس القرون السابقة حيث كان التغيير بطيئاً جداً وعلى فترات متباعدة، وفي هذا العصر كل شيء تغير وأصبحت التقنيات تشغل حيزاً كبيراً من حياتنا اليومية سواء في جانب العمل، أو المعاملات، أو حتى الحياة الاجتماعية حتى أفرزت لنا نموذجاً جديداً للحياة يشمل تواصلاً اجتماعياً عبر وسائل مختلفة، وخدمات تقنية متعددة تشمل خدمات المواصلات، والتوصيل، والتجارة، حيث أصبح كل شيء عبر شبكة الإنترنت سهلاً وميسراً.
ورغم كل الإيجابيات التي أضافتها التقنية للحياة إلا أن هناك العديد من السلبيات التي ظهرت بوضوح جلي جراء اقتحام التقنية لحياتنا؛ وتسببت في فك الروابط الأسرية والعزلة والتواكل. ومن المجالات التي تأثرت كثيراً نتيجة هذه التغيرات المكتبات بكل أنواعها ومجالاتها.
ولعلي أعرج في مقالي هذا على بداية علاقتي بالتعليم والمكتبات حين باشرت عام 1992م مهام عملي الجديد كمعلم لمادة المكتبة والبحث في المرحلة الثانوية بمدارس الرياض للبنين والبنات في حي النموذجية ويطلق عليه مجازاً الناصرية لتلاحم الحدود بين الحيين.
وفي صباح الحادي عشر من سبتمبر وقفت بين يدي مديري ومعلمي ومرشدي الأول في التعليم سعادة الأستاذ عبد العزيز الدويسي أبو ريان -حفظه الله- مقدماً له نفسي ومعرفاً بالمادة التي سأدرسها، ونظراً لعدم استلام المقرر أو المادة العلمية تم تحويلي من المرحلة الثانوية للمرحلة الابتدائية؛ لتدريس حصة المكتبة بتشجيع من المعلم والمربي الفاضل الأستاذ فهد الشبر أبو ياسر حفظه الله، وعندما شرعت في عملي واجهتني مشكلة خطيرة جداً وكبيرة جداً تتمثل في كون مفهوم المكتبة عند الطلاب مقتصر فقط ويكاد يكون بنسبة 100 % على القرطاسيات وأماكن بيع الجرائد والاحتياجات المكتبية، بذلت قصارى جهدي خلال فترة عملي مع هذه المرحلة لتغيير هذا المفهوم وأعتقد أني قد نجحت ولله الحمد في ذلك.
ثم كانت النقلة الثانية في علاقتي بالمكتبات حين استلمت مقرر المادة وكان مجرد وريقات لا تتجاوز 20 - 25 ورقة تمثل العناصر الرئيسية له على استحياء، وقررت المدارس تدريس المقرر داخل قاعة المكتبة المدرسية التي كانت تمثل مرتكزاً للطلاب خلال الفسحة ودون أي استفادة مما فيها لأبدأ رحلتي الثانية في تغيير المفهوم لدى طلبة المرحلة الثانوية نحو المكتبات وربطها بالبحث والقراءة والتلخيص وكيفية الاستفادة من المصادر الورقية العديدة في مكتبة مدارس الرياض وكانت تحت قيادة الأخ العزيز الدكتور محمد منير الجنباز -حفظه الله-.
وظللت أعمل على نشر ثقافة المكتبات وأهميتها وأهمية القراءة لفترة طويلة حتى جاء الغزو التقني كما سبق وأشرت، لتبدأ التقنية في سحب البساط من أسفل كل ما هو ورقي، وكانت المكتبات أشد ضرراً؛ فالتحول الرقمي في المعاملات مطلوب ومرغوب ولكن التخلي عن القراءة والكتابة أيضاً عبر الورق مضره أكثر من نفعه، وللأسف سار أهل المكتبات مع الركب في التحول الرقمي وتناسوا أو تغاضوا عن أهمية المطبوع ودخلوا مع غيرهم في قضية ذات جدل سفسطائي لن ينتهي أبداً يشمل قضية كبيرة جداً في حجمها ضيقة جداً في منظورها وهي هل الكتاب والجريدة المطبوعين أفضل أم الإلكترونية؟!
وبسبب هذا الجدل تأخرت المكتبات في معالجة أوضاعها وضاع في الزحام دورها الفاعل في كل مجالات الحياة ونسيها المستفيدون أنفسهم ولم لا وكل ما يرغبونه متاحاً عبر الشبكة العنكبوتية وهي فعلاً كذلك التي ما تركت شيئاً في حياتنا إلا وغزته، وعندما توقفت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية سارعت بالسؤال أين المكتبات لتعوض محبيها عن هذا الانقطاع؟
تقودني الإجابة على هذا السؤال إلى عنوان مقالي هذا: المكتبات الفاعلة في البيئة الإلكترونية، وقد بحثت أولاً عن مفهوم المكتبات الفاعلة.
تُعرَّف المكتبة الفعالة بأنها مكتبة تؤدي أداءً جيدًا مقارنةً بالمكتبات الأخرى. ( جلوريوكس وآخرون، 2007 ). تُعرَّف المكتبة الفعالة هنا بأنها مكتبة تؤدي أداءً جيدًا مقارنةً بالمكتبات الأخرى. يعتبر تحقيق الفعالية في خدمات المكتبة من المسؤوليات الأساسية لإدارة المكتبات.
كما يصف Fabunmi (2004) فعالية المكتبة على أنها تتضمن معلومات مخصصة لتلبية الاحتياجات الفردية، مشيرًا إلى أن أنظمة المكتبات الفعالة يتم تسليمها في الوقت المناسب، وتفي باحتياجاتها الخاصة، ويسهل فهمها واستخدامها، ويتم تقديمها من قبل موظفين مهذبين وعلى دراية بها.
وهناك خلاف حول المعايير التي يجب فحصها لتحديد الفعالية، ومن الذي يجب أن يضع معايير الفعالية؟ وكيف ينبغي استخدام المعايير في تقييم الفعالية؟
قدمت المكتبات اليوم خدمات جديدة متنوعة للبحث عن المعلومات وتسليمها واستخدامها. يمكن قياس فعالية هذه الخدمات من خلال الجوانب التالية:
• نجاح المستخدم بشكل عام.
• تسليم المعلومات في الوقت المناسب - وقت الاستجابة.
• توافر المواد واستخدامها.
• توافر المرافق والمعدات واستخدامها.
• معرفة المستخدمين بطرق البحث عن المعلومات.
• انخفاض تكلفة توصيل المعلومات.
• سهولة الوصول إلى المواد.
• التكلفة.
• رضا المستخدمين.
وهناك أكثر من نموذج لقياس الفعالية منها:
أ. نموذج تحقيق الهدف، حيث تقيم المنظمة فعاليتها من حيث مدى تحقيقها لأهدافها وغاياتها.
ب. نموذج موارد الأنظمة الذي تقيس فيه المنظمة فعاليتها من حيث قدرتها على اكتساب الموارد من بيئتها.
ج. نموذج العمليات الداخلية الذي يركز على الاتصال الداخلي للمؤسسة والكفاءة في تحويل المدخلات إلى مخرجات.
ويعتبر رضا المستخدمين معيارًا موثوقًا به لتحديد فعالية المكتبة، حيث يساعد المكتبة على تلبية احتياجات مستخدميها من المعلومات بطريقة فعالة من خلال توفير خدمات المكتبة القياسية والمناسبة التي يحتاجونها.
وفي ظل البيئة الإلكترونية أو الافتراضية -سمها كما شئت- فقد أصبح رضا العملاء أو المستفيدين من أهم موارد الحصول على المعلومات المتعلقة بكفاءة المكتبات أو المؤسسات وفعاليتها في تقديم الخدمات للمستفيدين، ولا يعتقد البعض أن التحول الرقمي للمكتبات ووجودها في الفضاء الإلكتروني قلل من قيمة أو عدد خدماتها؛ بل وضع على عاتقها مسؤوليات أكثر جسامة، حيث أصبحت هي المناط بها الوصول للمستفيد وتلبية احتياجاته المعرفية، وإلا سينصرف عنها إلى بدائل أخرى، حتى لو لم ترتق إلى مستوى المكتبات الأصيلة.
وأختم بهذه العبارة التي تلخص علاقة المكتبات بالمستفيدين: «لا يغير التطور التكنولوجي المعلومات التي يحتاجها الباحثون، ولكنه يغير الطريقة التي يتم تسليمها بها» ( Pool، 2009 ).
https://www.lisbdnetwork.com/library-effectiveness/