د.حسين العنقري
تبقى المقولة الخالدة العقار يمرض ولا يموت صحيحة إلى حد ما، غير أن البليّة في العقار الميت الذي لا يسبقه مرض ولا ينفع معه صبر، وصوره متعددة كتعدد أشكال البشر واختلاف ألسنتهم وألوانهم، وليس ببدعٍ من القول أن يكون هذا العصر عصر العقار الميت مع موت الضمير وزيادة الجشع وحب الذات والأنانية في طلب الرزق والانفراد بالربح، يضيع شباب المرء وجزء من مشيبه في تتبع عقار ميت لا رجاء فيه إلا كما يرجو الأحياء الأموات، هي الأحلام والوساوس لا الحقائق والوقائع، وأعظم ذلك وأشده ما كان المرء يظن فيه نفسه قد ظفر به بذكائه وحنكته وقلة فهم الآخرين، وإذا به بين البشر قد حاز البلاء وحده مع الحسرة والألم مقابل الطمع أو الحيلة والمكر، ولا تسأل عن الماكرين الذين يصطادون فريستهم بمكر كُبَّار لم يعرفه الأولون أو قد عرفوه، ولكن لُبِّس عليهم وأقسم لهم أنه من الناصحين كما فعل الشيطان -والعياذ بالله-.
إن العقار الذي لا صك له أو الصكوك التي لا حجة لها في الملكية أو الصكوك المزورة أو التي قامت على أسس غير صحيحة أو التي فيها تداخل أو عليها تسلسل صكوك أو مبهمة المعالم أو مفقودة المساحة وغيرها كثير إذا اجتمعت مع ميت الضمير صاحب الحجة والبرهان -ظاهراً- وكان ذا منظر مهيب يوقع ضحيته كما يوقع الصياد الطير في شباكه،كان النتاج عقارا ميتا لا ينفع معه خبرة خبير ولا حيلة محتال إلا كمن يفعل كما فعل به. ومن واقع المحاكم تجد أن هناك صكوكا تَبدَّلت مساحتها وتغيرت معالمها وعاشت مع أصحابها سِنِينَ عددا وربما أصبحت مساهمة فدخل فيها الآلاف من المساهمين ثم انكشف زيفها وبانت حقيقتها فوقع في ضحية ذلك ذمم وأموال وأعمار وصحة وتعطل مسيرتهم الاقتصادية. وتتكرر الجريمة وتتنقل من جيل إلى جيل وفي النهاية يكون الدور على العقار الميت الذي ليت أنه مرض ولم يمت.