يقول بول هاريسون في كتابه «في قلب العالم الثالث»: تنشأ تلك الأخطار التي تهدِّد الأرض، نتيجة الفقر والانفجار السكاني، اللذين يؤديان بدورهما إلى تركيز الفقر ومضاعفته.
إن الأرض ضرورية لإنتاج الغذاء وإيجاد فرص العمل. ولا شك أن ضياع الأرض هو إحدى العمليات التي تهدد حياة الفقراء في أرياف العالم الثالث.
والأخطر من هذا كله أن القطاع الريفي بأسره ظل محروماً من الأموال، في حين تنمو المدن والمراكز الصناعية الحديثة في الثراء.
ولا عجب، إذن، أن فقراء الريف، الذين حرموا من نصيبهم، قد هاجروا إلى هذه المدن بالذات. وهنا رأوا ما كانوا يتوقعونه من أرصفة ذهبية ومن مدن ومصانع تحاكي الأنماط الغربية. بَيْدَ أن هذه الأشياء كانت حكراً على الأقلية صاحبة الامتياز، وليست من أجلهم. ووجدوا أنفسهم متروكين للبحث عن المأوى والعمل الذي يتمكنون من الحصول عليه. وأصبح فقراء الريف يشكلون طبقة شبه - البروليتاريا في المدن، ولم يجدوا متسعاً لهم في أي مكان!؟
في عام 1977م نشرت منظمة الأغذية والزراعة واليونسكو خريطة تثير القلق، تصور انتشار الصحراء في أنحاء العالم. وتم تلوين المناطق المهددة بالتصحر بالألوان البرتقالية والوردية والحمراء. وكانت هذه الرقع الملونة تغطي جزءاً مهماً من العالم النامي، خارج نطاق الحزام الاستوائي المطير.
وفي العام نفسه، أعد مصطفى طلبة، مدير برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة تقريراً عن حالة البيئة، حذّر فيه من أن استمرار الاتجاهات الحالية من شأنه أن يخفض نصيب الفرد من الأراضي الزراعية إلى 0.15 هكتار بحلول الألفية الثالثة، أي نصف نصيبه في السبعينات من الألفية الثانية. وسوف يقتضي الأمر مضاعفة الإنتاجية لمجرد السماح للناس بالحصول على كمية الغذاء نفسها التي يحصلون عليها اليوم.
وفيما يلي الأرقام التي بنى طلبة عليها حساباته: كانت مساحة الأراضي المزروعة تبلغ 1240 مليون هكتار في عام 1975م. وقد يكون في الإمكان إضافة 300 مليون هكتار أخرى خلال الأعوام الخمسة والعشرين القادمة.
ولكن العالم قد يفقد 600 مليون هكتار، أي نصف المساحة المزروعة في عام 1975م - خلال هذه الفترة نفسها. وقد يختفي نصف هذه المساحة تحت وطأة انتشار المدن، والنصف الآخر بسبب تدهور التربة.
لقد كان الإنسان هو العامل الرئيس في الظاهرة المسماة جذام التربة . فقد تركت نشاطاته بصماتها على نظم البيئة عالية الحساسية ودقيقة التوازن.
ويمثل الرعاة الرحل وحيواناتهم الأبطال الآخرين في هذه المأساة، حيث تتزايد أعداد الرعاة الرحال أيضاً بسرعة لا تتحملها الأرض، وإن كان معدل نموهم أبطأ من معدل نمو الفلاحين.
وهناك عنصر ثالث يضاف إلى الزراعة والرعي يساعد على انتشار الصحاري الناجمة عن الإنسان وهو إزالة الغابات. إن التدمير المطرد لمخزون العالم الثالث من الأشجار لا يترك بصماته على المناطق الجافة وحسب، فأينما يحدث يمكن أن يسرع معدل تدهور التربة، وينال من مقدرتها على إطعام البشر وإيجاد فرص العمل لهم. ويمكن أن تؤدي إزالة الغابات إلى تقليل معدلات الأمطار وإلى الجفاف.
إن غابات العالم تنكمش بمعدل يبعث على القلق. فقد أظهر إحصاء تقريبي أن نصف المناطق الغابية في البلدان النامية قد جردت من أشجارها. كما أن إزالة الغابات تعجل عملية التصحر.
حيث تؤكد الدراسات الفردية التي أجريت في بعض البلدان اختفاء الغابات تماماً خلال خمسين أو ستين عاماً.
وهناك خطر آخر يهدد الأرض وهو التملح واحتباس المياه. ففي العالم الثالث، لا يتم تبطين الكثير من قنوات الري. وهكذا، فبدلاً من تصريف المياه، تتسرب في جوف التربة لترفع منسوب المياه الجوفية.
ويؤدي ذلك إلى صعود الأملاح الضارة التي تودعها الأمطار في التربة التحتية، فتقترب من جذور النباتات وتوقف نموها وبالتالي تقل غلة المحاصيل.