لقد فرضت الصين نفسها وبالقوة من خلال اعتمادها على يد أبنائها الذين شمروا عن سواعدهم لكي تصبح الصين كما هي عليه الآن قوة اقتصادية مؤثرة على الساحة الدولية بشكل كبير صار يحسب لها ألف حساب رغم الدعاية الإعلامية الغربية التي راحت منذ فترة طويلة في التركيز على حقوق الإنسان والديمقراطية التي تفتقدها الصين والتي بدأت هذه الدعاية الإعلامية الآن في الانحسار، بل حتى الاختفاء من المشهد السياسي إلى حد ما, والتي كان الماضي الغربي يفتقد إلى تطبيقها في استعمار هو أقرب إلى الهمجية الذي عانت منه الكثير من الدول في العالم التي وقعت تحت رحمة هذا الاستعمار, والذي لم يحصل من قبل الصين في السابق.
لقد شهدت الصين في الستينات مشاكل وأزمات اقتصادية قوية وخانقة, أثرت على المواطن الصيني وحياته على نحو كبير, فهرب الكثير من الصينيين من البلد بسبب هذه المشاكل الاقتصادية وتوجهوا إلى أقطار عدة وراحوا يبنون مستقبلهم في تلك الأقطار أو البلدان وكونوا تجارة ناجحة ومبهرة وأصبحوا قوة اقتصادية فعالة في داخل بعض البلدان التي استوطنوا فيها, الشيء لافت للنظر انهم لم ينسوا موطنهم الأصلي الذي لم يتوقف عند استرجاع الذكريات والزيارة السياحية بل راحوا يبذلون الجهد في المساهمة في تنمية اقتصاد الصين بكل ما أوتوا من قوة.
ذكر الكاتب صمويل هنتجنون في كتابه (صدام الحضارات) في حديثه عن الاثنية الصينية, حيث يقول إن الصينيين الاثنيين في الخارج قادرون على أن يثبتوا للعالم أن الصلات الحميمية من خلال نفس اللغة والثقافة يمكن أن تعوض غياب حكم القانون والشفافية في القواعد والتعليمات, ويقول (في المؤتمر الذي العالمي الثاني للمقاولات الصينية الذي عقد في هونج كونج في نوفمبر عام 1993, وصف المؤتمر بأنه احتفالية بالانتصار الصيني حضرها رجال أعمال صينيون اثنيون من أنحاء العالم، طبعا الكاتب هنا يشير إلى العامل الثقافي الذي كان سببا في الارتباط الاقتصادي.
ويردف قائلا إن النمو الاقتصادي الصيني السريع, جاءه دعم كبير من قبل الصينين في الخارج الذين استفادوا من ثقافتهم المشتركة واتصالاتهم الشخصية, واستثمروا بكثافة في الصين, حيث إن نسبة الاستثمارات الأجنبية في الصين عام 1992كانت 80 في المائة (11.3بليون دولار) جاءت كلها من الصينيين في الخارج, وبشكل رئيسي من هونج كونج (68.3 في المائة) وتايوان (9.3 في المائة) وسنغافورة ومكاوا وغيرها. قدمت اليابان (6.6 في المائة) وأمريكا (4.6 في المائة) من الإجمالي, كان مجمل الاستثمارات الأجنبية 50 بليون دولار جاء (76 في المائة) منها من مصادر صينية انتهى.
يشدني هذا إلى واقع رجال الأعمال سواء كانوا عربًا أو مسلمين كافة أو حتى الذين ينتمون لبلد واحد كحال رجال الأعمال العرب الذين يعيشون في الخارج ولهم زمن وإقامة مختلفة في بلدان العالم, أين مساهمتهم الفعالة في الاقتصاد الذي يخدم بلدانهم, لماذا لا ينشئون اتحادات أو تحالفات اقتصادية وصناعية على مستوى العالم, وإذا كان هناك معوقات داخل بلدانهم قانونية أو تنظيمية يشتكون منها, فعلى الأقل يقومون بتشجيع سلع ومنتوجات بلدانهم في البلدان التي يعيشون فيها أو في أنحاء العالم كافة, أتمنى أن يأخذوا من الصينين العبرة والدرس.