عبد الرحمن بن محمد السدحان
* سألني سائل ذات مرة: كيف احترفت العمل الإداري وأنت في ربيع عمرك تعاقر الأدب، وتتغنّى به، وتتوسّدُ حرفَه الجميل ليلاً ونهارًا! فأجبتُ أن احترافي للعمل الإداري أمر قدّره الله لي، وأعانني عليه وساقني إليه، لا مُرغمًا من نفسي ولا مختارًا، حتّى غدا لقمةَ عيشي، ولذّة عقلي، وصراط حياتي!
***
* وحين رحلتُ إلى ديار (العم سام) مبْتعثًا للدراسة الجامعية، لم يدْر في خلدي أنني (سأقترن) بالإدارة علمًا وتخصصًا، بدْءًا، ثم مهنةً أصطاد من خلالها خبز يومي لي ومن أعُول!
***
* كانت وزارة المعارف آنئذٍ هي التي اختارت لي ذلك التخصّص، فلم أعصِ لها أمرًا. ومن عجب أنني في وقت لاحق، بعد تجاوز عقبة اللغة الإنجليزية، وجدتُ في ذلك التخصّص متعةً للذهن، وشدني إليه (الجانب الإنساني) حتى غدا هذا البعدُ متعةَ هذا التخصّص وأقْنَى من كل أصُوله وفروعه الأخرى، واستقرت في خاطري قناعةٌ أنه بالإنسان، تكون الإدارة أو لا تكون!
***
* وهناك أمرٌ آخر استقطب انتباهي وشحذ إعجابي بهذا التخصّص، هو أن الإدارة ليست مبادئ ونظريات وطروحات فحسْب، لكنها تعتمد إلى جانب ذلك كله، على توظيف الحسِّ المعْرفي والذكاء الفطري والإلهام الإنساني في تدبير الأمور وتدّبرها، فمَنْ توفرتْ لديه تلك المواهب، حتى ولم يستعنْ بعقل (ماكس فيبر)، ومهنية (بيتر دركر) وسواهما من دهاقنة الفكر الإداري، استطاع بقدرة الله وتوفيقه إدارة منشأته بكفاءة وفلاح!
***
* وفي ختام مشواري الأكاديمي، ساقتني الإرادة الإلهية والحظ السعيد إلى أكثر من موقع عمل، بدْءًا بسنوات (التأسيس) في معهد الإدارة العامة بالرياض، بعد طول عناء (تخلّصًا) من رغبة أحد أصحاب المعالي الوزراء الذي أصرّ بفضلٍ منه أن ألتحق بوزارته موظفًا، لأنني قد عقدتُ العزم على العمل بالمعهد، زاعمًا أنه أكثر التصاقًا بتخصّصي الأكاديمي.
***
* وأتذكّر هنا بالفضل بعد الله، جهدَ معالي الصديق الأستاذ فهد بن سعود الدغيثر، طيّب الله ثراه، مدير معهد الإدارة العامة آنئذٍ، الذي أولاني دعمَه الشخصي للعمل في المعهد، حيث شرُفْتُ بخدمته نحو ست سنوات أستاذًا وباحثًا، سُعدت جدًا بالعمل به، وإثراء معرفتي بالإدارة في أبعادها الثلاثة: التطبيقي والنظري والإنساني!
***
* ثم انتقلت إلى مجلس الخدمة المدنية، للعمل أمينًا عامًا له، ولن أنسَى في هذا الصدد العونَ والتأييدَ اللذيْن خصّني بهما معالي الشيخ تركي بن خالد السديري، إبّان رئاسته للديوان العام للخدمة المدنية إلى جانب عضويته لذلك المجلس. وكان معاليه آزرًا كبيرًا لي وناصحًا أمينًا، وقد أمضيتُ سنين أمينًا لذلك المجلس، وكانت تجربة ثرية لا تُنسى.
***
* ثم صدرت إرادة ملكية سامية بتعييني نائبًا للأمين العام لمجلس الوزراء، في عهد معالي أمينه الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله السالم، حفظه الله ورعاه. حيث أمضيتُ نحو عشر سنوات نائبًا، ثم رشحني معالي الأمين العام لمنصبه بعد انتقاله إلى الديوان الملكي مستشارًا، وصدر بذلك أمر ملكي كريم، وكان هذا التعيين تكريمًا وتشريفًا لمشواري الإداري. ثم كُرّمت أخيرًا بشرف التعيين مستشارًا في الديوان الملكي، والحمد لله من قبل ومن بعد.