د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تعاني الولايات المتحدة من شكوك وقلق في تحقق استقلال الطاقة التي تغنت به في الفترة الماضية عندما قادت ثورة النفط والغاز الصخريين، ويقال أن بوتين أخّر إمداد أوربا بكميات كافية من الغاز فارتفعت الأسعار، من أجل أن تسرع أوربا في الموافقة على خط ستريم2 التي تعاني أوربا من فقر الطاقة، وتؤمن لها روسيا 43 من حاجتها، رغم ذلك هناك تصريحات روسية طمأنت السوق نسبياً إلى وضع الإمدادات واعتزامها توفير احتياجات الاستهلاك من الغاز في أوربا بشكل كاف ووفير.
لذلك أوربا في عجلة من أمرها في تبني الطاقة الخضراء تحت بند مؤتمر المناخ الدولي لوقف قلق فقر الطاقة في أوربا، حتى في أمريكا ارتفع الغاز إلى أعلى مستوى له في 13 عاماً، والصين والهند يمثّلان من أكبر الأسواق في حاجتهما إلى النفط.
تحالف أوبك بلس الذي تقوده السعودية في وضع قوي للغاية، وهو اللاعب الرئيسي والمحوري في إدارة السوق النفطية في المرحلة الراهنة، وهي في ضوء قناعتها بعد استقرار نمو الطلب وبقاء وفرة المعروض في الشهور المقبلة، لذلك انتهت في اجتماعها في 4 أكتوبر 2021 بتثبيت زيادة الإنتاج 400 ألف برميل في نوفمبر، مؤجلة البت في بعض الدعوات لزيادة الإنتاج بشكل أسرع للمساعدة على تهدئة وتيرة صعود الأسعار، حيث تدرك أن أزمة الغاز العالمية أضافت للطلب العالمي على النفط الخام 650 ألف برميل يومياً، وإذا لبت روسيا احتياجات المستهلكين في أوربا وآسيا فقد يعني ذلك انتهاء الطلب الإضافي على النفط الناتج عن التحول من الغاز إلى النفط، كذلك وفق جولدمان ساكس قد تفرج واشنطن عن 60 مليون برميل من احتياطيها الإستراتيجي وهو ما يكبح صعود الأسعار.
تتوخى أوبك الحذر في خطط زيادة الإنتاج للحفاظ على توازن السوق، وقد تبنت تخفيضات قياسية في الإنتاج نحو عشرة ملايين برميل يومياً في أبريل 2020 أي نحو 10 في المائة من الإنتاج العالمي، بعد أن شلت القيود المفروضة على مستوى العالم لاحتواء الجائحة، وتضع أوبك في حسبانها احتمال أن تتخلّى الأسعار عن مكاسبها بالسرعة نفسها التي حققتها بها في 2018 عندما هبط خام برنت من مستوى أعلى من 85 دولاراً للبرميل في أكتوبر إلى أقل من 50 دولاراً بحلول نهاية العام، وخصوصاً أن العالم يشهد فائضاً في العرض، وتخشى أوبك بلس من تكون مخزونات تزيد على متوسط خمسة أعوام في النصف الثاني من 2021 .
وترى أوبك بلس أن الدخل الإضافي الذي ستحققه أوبك بلس سيساعدها على تجاوز ألم انهيار الأسعار في 2020، وحققت أوبك إيرادات من صادرات النفط في 2020 321 مليار دولار بانخفاض 43 في المائة عن مستواها في 2019 استناداً إلى التقرير الإحصائي السنوي لأوبك.
فنقص الإمدادات يضرب الأسواق من بريطانيا حتى الصين، فأزمة الطاقة تكشف هشاشة عصر المتجددة، ولا يزال الوقود الأحفوري بقيادة السعودية راسخ لعقود مقبلة.
بعد الجائحة وعودة الحياة إلى طبيعتها يمر العالم بأول أزمة كبرى منذ بدء التحول نحو الطاقة النظيفة، ولم يتمكن من حل الأزمة من دعاة الطاقة النظيفة خصوصاً في أوربا سوى أوبك بلس بقيادة السعودية، المختلف هذه المرة هو أن أزمة الطاقة تأتي في الوقت الذي تمر فيه الاقتصادات الغنية بواحدة من أكثر مراحل التحول في أنظمة الطاقة طموحاً منذ عصر الكهرباء، حيث لا توجد طرق سهلة لتخزين الطاقة التي يتم توليدها من المصادر المتجددة، فأين أوربا التي تطلب وقف الاستثمارات في الوقود الأحفوري؟ فيما أمريكا تطالب السعودية برفع الإنتاج، ما يعني أن أوربا تعاني من اضطراب وتعيش في عالم من الوهم والخيال.
وبحسب التقرير الذي أعده ديفيد بيكر، ستيفن ستابتسنسكي، دان مورتو، وارشيل موريسون ونشرته بلومبيرغ، فإن التحول إلى الطاقة النظيفة يستهدف جعل أنظمة الطاقة في العالم أكثر وليس أقل مرونة، وهذا ما تسير عليه السعودية وتتبعه بمسمى مزيج الطاقة.
فشركة أبيكورب للاستثمارات البترولية، شركة استثمارية عربية متعددة الأطراف تعود ملكيتها للدول الأطراف في أوابك مقرها الخبر في السعودية، عندما أصدرت سندات خضراء كان المستثمرون من المنطقة العربية 7 في المائة، وبقية النسبة 93 من دول أوربا وأمريكا بنسبة تغطية 300 في المائة قيمة الإصدار كان 750 مليون دولار تمت تغطية الاكتتاب بنحو 2.2 مليار دولار من أكثر من 80 مستثمراً مؤسسياً وسيادياً.
ما يعني أن دول أوبك بقيادة السعودية دول واقعية، وكما كسبت الرهان في الطاقة التقليدية ستكسب الرهان في الطاقة النظيفة أيضاً باعتبار أنها تمتلك الاستثمارات والشمس والرياح والمساحات الفضاء، على عكس أوربا القلقة والمتعجرفة في نفس الوقت.