م. بدر بن ناصر الحمدان
قرأت قبل فترة مقالاً يتحدث عن الحلول المبتكرة والغريبة في بيئة العمل لمساعدة الموظفين على الوصول لمستوى متقدِّم من الحالة الذهنية التي تساعدهم على زيادة الإنتاجية والابتكار، ومنها حجرات الغفوات والقيلولة التي خصصتها شركة «قوقل» لموظفيها، وحجرات التأمل التي وضعتها شركة «سيغنا» للتأمين الصحي وغيرها من الأفكار الفريدة التي تؤمن بها بيئات العمل المحترفة بعد تجربتها الطويلة في إدارة الأعمال، وبهدف الخروج من نمط الإدارة التقليدية التي سيطرت على منظومتها لحقبة زمنية طويلة، حيث كان ينظر لمثل هذه الأفكار على أنها مضيعة للوقت وهدر لمقدرّات العمل والعاملين دون النظر لمخرجاتها على المدى البعيد ومساهمتها في تحقيق الأهداف.
السؤال هنا: ماذا عن القطاعات التقليدية التي تؤمن بمحاصرة الموظف والتعامل معه كـ»تِرْسْ»، داخل ماكينة لا يسمح له بالتوقف أو حتى التقاط الأنفاس، بل ربما يُنظر لتناوله لكوب قهوة على رصيف المبنى، أو تناوله لنصف شطيرة، بأنه إخلال بمنظومة قيم العمل، حتى تحوّل هذا الموظف مع مرور الزمن إلى أداة إنتاج روتينية غير قابلة للتفكير بما هو خارج الصندوق وبالتالي بقيت مثل هذه القطاعات في حالة من الركود لسنوات مرّت وستبقى كذلك إذا هي لم تُغيّر من عقلية إدارتها.
في النسخة المحلية، ماذا لو قرَّرت إدارة المكان أن يكون العمل لنصف يوم فقط في الموعد الذي يلعب النادي المفضّل للموظف في المساء، أو جعله يعمل عن بُعد لمدة يومين أو ثلاثة بهدف العودة بحلول نوعية لمشكلة ما، أو منحه إجازة مدفوعة ليوم كامل بمبرّر أنه ليس في حالة مزاجية جيّدة، أو دعوته لعشاء مجاني هو وعائلته في مطعم فاخر على سبيل فن إدارة المعنويات، أو تبني قاعدة للاحتفال بذكرى ميلاد كل موظف في بهو المبنى، وربما يصل الأمر لتذكرة مجانية لرحلة سياحية للدولة التي يختارها نظير نجاحة في تحقيق إنجاز استثنائي.
ما الذي يمنع أن يتم تخصيص مثل كبائن للغفوة والقيلولة وحجرات التأمل داخل مقّار العمل؟ وماذا لو تم بناء صالة لتفريغ الغضب بحيث يقوم الموظف خلال 30 دقيقة بتفريغ الشحنات التي بداخله من خلال تكسير أجهزة قديمة أو قطع أثاث أو صحون، أو وضع صندوق للصراخ مثلاً، وأجهزة تمارين في الممرات، كما أن الاجتماعات بحد ذاتها تمثّل ممارسات مُمّلة ويمكن تطويرها بأن تكون وقوفاً في الحديقة أو في مواقف السيارات أو حتى على سطح المبنى أو مشياً على الأقدام.
قد يُنظر إلى مثل هذه الممارسات على أنها ثانوية لكن هي في حقيقة الأمر عميقة ومؤثّرة ولها أبعاد تتفوّق على كثير من برامج وأنظمة التحفيز والتطوير، ربما يتحفظ بعض المسؤولين التقليديين على مثل هذا الطرح بحجة أن فريق العمل ليس لديه وقت لمثل هذه الممارسات وأنهم مشغولون بأجندة عمل لا يمكن إهدار دقيقة منها، لكن في واقع الأمر هم يعيشون مرحلة من الخمول الذهني المفرط، وغير قادرين على الخروج من عنق التقليدية التي هم غارقون فيها.
الأعمال «المُبتكَرة» تحتاج إلى أدوات «مُبتكِرة».