د.سالم الكتبي
على خلفية هجمات انتحارية داعشية متكررة في الفترة الأخيرة استهدف بعضها عناصر حركة «طالبان» بينما استهدف بعضها الآخر مساجد تابعة لأقلية «الهزارة» الشيعية في أفغانستان، وبحسب بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان، نفذ تنظيم الدولة في خراسان 77 هجوما خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الجاري، خرج ذبيح الله مجاهد وزير الإعلام والثقافة لدى حركة «طالبان» معلناً أن هذا التنظيم «سيُقمع قريباً»، وقال مجاهد «نحن لا نصنف داعش تهديداً بل صداعاً، لقد طردوا وعثر على ملاجئهم»، ما يثير تساؤلات مهمة حول طبيعة ومستوى الخطر الناجم عن تمركز تنظيم «داعش» في بعض المناطق الأفغانية، وهل هو بالفعل مجرد «صداع» لحركة «طالبان»، أم يرتقي إلى حد اعتباره تهديداً وجودياً للحركة لكونه ينازعها في الهيمنة والسيطرة على أراضي أفغانستان وحكم البلاد؟
من الناحية التحليلية المجردة تبدو قدرات تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان أقل بمراحل عن «حركة طالبان» سواء من حيث العدد والعتاد أو من حيث الخبرات القتالية والمعرفة بطبيعة الأراضي الأفغانية، التي تمتلك عناصر «طالبان» خبرات كبيرة بها، ولكن هذا كله لا يقلل من مستوى التهديد الذي يمثله تنظيم «داعش» ولاسيما فيما يتعلق بنقاط محددة أولها إمكانية تمركز عناصر التنظيم في مناطق نائية، وإعدادها كمراكز للاستقطاب والتدريب والتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية خارج أفغانستان كما كان حال «القاعدة» حتى تنفيذ اعتداءات 11 سبتمبر 2001، وثانيها أنه لا يمكن الاعتداد كثيراً بنتائج مقارنة قدرات تنظيم «داعش» في خراسان بما تمتلكه حركة «طالبان»، نظراً لأن التنظيم يرتكز على موروث خبرات كبيرة، تفوق في حقيقتها ما لدى الحركة الأفغانية من خلال نقل تجارب وخبرات التنظيم الأم بعد تداعي دولته المزعومة في العراق وسوريا تحت وطأة الضربات التي تلقاها من جانب التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة.
والحقيقة أنه لا يمكن أن يكون تنظيم «داعش» في أفغانستان سوى مشكلة جدية للجميع، سواء حركة «طالبان» أو الدول التي يستهدفها التنظيم بشكل عام وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبدرجة أقل روسيا وإيران، ولكن هناك شبه اتفاق بين المتخصصين على أن استمرار الفوضى في أفغانستان يصب في مصلحة تنظيمات الإرهاب بشكل عام والذراع الإقليمي لتنظيم»داعش» بشكل خاص، ما يسبب خطورة أمنية تفوق الخطر الناجم عن صعود حركة «طالبان» نفسها مرة أخرى للحكم لأسباب واعتبارات عدة في مقدمتها ميل الحركة إلى تفادي الأخطاء السابقة والسعي للحصول على اعتراف دولي، كما أن هناك تباينا حادا في أولويات الطرفين، فطالبان تركز أنظارها على حكم أفغانستان، بينما يسعى «داعش» في المرحلة الراهنة لتعزيز مواقعه واستعادة ثقة مؤيديه وأنصاره من خلال توسيع دائرة استهداف المصالح الطالبانية والغربية في أفغانستان.
وتشير تقديرات استراتيجية غربية إلى أن تنظيم «الدولة الإسلامية في خراسان» لديه نحو 800 عنصر إرهابي، ولكن الملاحظ أن هذه التقديرات تقف عند عام 2018 وهو ما يجعل من الصعب القياس عليها في بناء رؤية تحليلية دقيقة حول القدرات العملياتية للتنظيم الداعشي الخراساني، ولاسيما أن التنظيم قد تعلم منذ عام 2014 كيف يمكن له أن يوسع دائرة نفوذه من مساحة ضئيلة حتى مساحة توازي مساحة المملكة المتحدة (سيطر تنظيم الدولة في العراق وسوريا على نحو 88 ألف كم مربع) كما كانت بدايته بنحو ألف إرهابي ولكنه استطاع بعد أربع سنوات اجتذاب نحو 40 ألف عنصر للقتال تحت رايته وشعاره، وفي وقت من الأوقات كان هناك نحو 1500 عنصر إرهابي ينخرطون شهرياً في صفوف التنظيم. ورغم تدني خطر التنظيم الأم في العراق وسوريا للحد الأدنى منذ زوال دولته المزعومة، فإن مغامرته تبقى «ملهمة» لقادة إرهاب آخرين في مناطق أخرى منها بطبيعة الحال أفغانستان، وهذا لا يعني قطعاً باستنساخ التجربة ولكنه لا ينفي أيضاً رغبة آخرين في إعادة إنتاجها.
الشواهد تؤكد أن تنظيم «داعش» يزداد قوة منذ سيطرة حركة «طالبان» على العاصمة كابول وهروب الرئيس السابق أشرف غني وانهيار الجيش الأفغاني، والسبب في ذلك يعود لتحول التنظيم إلى مركز جذب جديد للمنشقين على «طالبان» بسبب ما يعتقدون أنه تعاون سري مع الولايات المتحدة، ومن يعتبرون أن حركة «طالبان» لم تعد تلتزم بالإطار الأيديولوجي الذي تأسست عليه، فضلاً عن وجود تقارير غير مؤكدة عن انقسامات داخل الحركة وتحديداً بين الفصائل الموالية للملا عبدالغني برادر نائب رئيس الوزراء الذي قام بمحادثات الدوحة مع الولايات المتحدة، ومؤيدي سراج الدين حقاني القائم بأعمال وزير الداخلية والمعروف بميوله المتشددة للغاية، وهذه الانقسامات تأتي على قاعدة تغيير سلوك الحركة تلبية لمتطلبات الحصول على اعتراف دولي، وبالتالي يتوقع بعضهم أن تخسر «طالبان» نسبة كبيرة من عناصرها المتطرفة.
اللافت في تمركز فرع «داعش» بأفغانستان أن التنظيم يواصل تنفيذ استراتيجية التخندق في مناطق النزاعات، باعتبارها البداية لتوسع أكبر مستقبلاً، وفي ضوء اتساع نطاق عملياته الإرهابية مؤخراً في أفغانستان، يمكن القول إن «داعش - خراسان» يمثل مشكلة حقيقية لحركة «طالبان» ومصدر تهديد متزايد للأمن والاستقرار الدوليين.