عبده الأسمري
على مر التاريخ البشري كان «الإيذاء» بكل صوره أكبر وأعظم وأشد «بلاء» يواجهه البشر سواء في أموالهم ودمائهم وحقوقهم وقيمهم ومستقبلهم.. وتعددت وسائل «الأذى» منها ما كان بفعل الأفراد أو المجتمعات أو الحكومات وتطورت طرائقه إلى «التخطيط» وتمددت طرقه إلى «التدبير» حتى ظهرت «العصابات» ونمت «الأحزاب» وتوالت «الخلايا» التي تمارس أعمالها في الخفاء كنائمة وفي التنفيذ كيقظة.. وسط استنكار وشجب ونهي وبراءة من كل إنسان ولد على الفطرة ونشأ في السلام وتربى وسط الوئام..
في زمن مضى كان هنالك «جهل» عقائدي و»غفلة» دينية انعكست على مجتمعات جاءت بعد عقود من رسالة الإسلام فتشكلت موجات «الإصلاح» وتنوعت مراحل «الصلاح» لنشر الخير وتعميم النفع ومنع العديد من الجاهلين من التبرك بالقبور ومن قطع الطرق ومن نهب الأموال ومن مخالفة الشرع ومن معاداة العقيدة ومن معاكسة المنطق حتى دبت «الحياة» في عروق المجتمع من جديد.. وجاء توحيد البلاد واتخاذها منهج الشريعة الإسلامية القائم على توظيف العدل والإنصاف والحق فلبس الوطن رداء «الأمن» وتاج «الاستقرار» وامتلأت أرضه وسماه بكل معاني الأمان والاطمئنان وتم القضاء على كل الفتن والفوضى التي أخمدتها قيادة رشيدة أسست وفرضت وحققت كل أسس وأبعاد واتجاهات الأنظمة والقوانين والتشريعات في خدمة الدين والوطن والمواطن..
ولأن للجهل وجوها عدة وللنصح مسارات متعددة من الموضوعية والذاتية وللتنظير اتجاهات عدة من الغلو والتطرف والتشدد ظهرت تيارات «متشددة» نازعت «الوسطية» واعتلت منابر «الحق» وتوسطت «محافل» التغيير لتنثر سمومها في «شد» إلى التطرف الذي أخرج لنا «الإرهاب» وأنتج لنا «الأفكار الضالة» التي أمضينا عقوداً من محاربتها والعيش في «خوف» مجهول من اشتعال نيرانها الخامدة تحت «رماد» الترويع.
وما أن التقط المجتمع أنفاسه وتخلص من «شرور» واضحة ومن «فتن» مخفية وتساقط «الإرهابيين» صرعى على تراب الوطن الطاهر الذي رفض وجود هؤلاء «الخونة» على ثراه المسجوع بالوطنية الصادقة والمشفوع بالإنسانية الحقة حتى ظهر لنا جماعات «العلمنة» وتيارات «التغريب» وحدث ما حدث من حروب المنصات وملاسنات الجلسات وسخرية التصنيفات بين «الصحويين» و«الليبراليين» و«السلفيين» و«العلمانيين» التي اعتلت «المشهد» الثقافي فترة من الزمن وما لبثت حتى تطاير «ذرى» رمادها لتذروه رياح «العقلانية» إلى حيث لا رجعه..
تلاشت ثورة العداءات الثقافية وساد حسن الظن وطغى التسامح وزالت عقبات «التمادي» وانتهت «تصفية» الحسابات وغادرت «الشخصنة» منصات الحوار وانتصر تشخيص «المنطق» فتوقفت تلك المعارك بعد ارتفاع «الوعي» ورقي «التفكير».
بعد هدوء استمر سنين وسجال بين التيارات باستثناء «مناوشات» مخجلة بين البعض جاءت موجات جديدة من تغيير «الهوية» ومن تبديد «الشخصية» وسط توجيه «سهامها» المغمسة بالسم نحو «الشباب» و«الفتيات» في أمعان لتبديل الفكر وإتقان لتشكيل التوجه حيث حلت «لعنة» النسويات وطغت «شيطنة» الناشطات لتنثر سمومها في فضاء السيدات وباتت الأسر في نضال وكفاح وحرب مع تلك الفئات «الغريبة» و«المريبة» التي اقتحمت «أسوار» النساء لتنفيذ أجندات «مستوردة» وتحقيق أهداف مشبوهة!
وتم التركيز على ثورة التقنية لتكون معولاً يهدم أركان التربية حيث رأينا «لعبة» أجنبية جعلت الصبية يموتون «انتحاراً» وشاهدنا «موضات» غربية حولت الشباب إلى «دمى» وكأنهم «نماذج» معروضة في مسرحية فكاهية! وغيرها الكثير من الفتن.
وشاهدنا مشاهير ومشهورات التواصل الاجتماعي وهم يروجون للتفاهة وينشرون السخرية بين أجيالنا التابعين لهم في موجة بئيسة من الخذلان ورأينا نماذج من الفتيات اختصرن «الحرية» في سفور وتبرج ومخالفة للآداب العامة في الشكل والهيئة والسلوك مما أخرج لنا «مناظر» مقززة يخال إلينا أنها «منظر» من فيلم سينمائي ممنوع من المشاهدة!
ما بين الإرهاب والخراب عوامل مشتركة تتقاطع في «فكر ضال» و«سلوك مضلل» وقد انتهينا من مراحل كنا فيها أمام «عداوة» شرسة من تيارات ترى في «الإيذاء» هواية وغاية لاستباحة الدماء وإباحة الأذى وانتهاك الحقوق.. وتنقلنا بين مسارات من «التحديات» جعلتنا أكثر خبرة وأعظم دراية وأكفا إدارة في مواجهة التقلبات والمتغيرات ولكننا أمام فصول جديدة من «التخريب» و«التغريب» تنتظر «وقفات» جادة و«مواقف» صامدة من كل المجتمع حفاظاً على هويتنا ووقاية للجميع من حرب متعددة الأطراف مشددة الإجراءات تحت لواء «الحرية المؤدلجة» وشعار «التطور الوهمي».