إيمان حمود الشمري
عندما كنت طالبة في المدرسة المتوسطة الأولى بالجبيل الصناعية، كان درس الاقتصاد المنزلي يتكلم عن الوجبات ونوعية الغذاء، لا أعرف لماذا ارتبكت عندما سألتني المعلمة ماذا كانت وجبة فطورك اليوم؟ خجلت أمام زميلاتي أن أقول (فول وتميس)، كذبت وقتها وزيفت الحقيقة، واخترعت أصناف أكثر أناقة لم تكن موجودة أساساً على السفرة!! أتذكر ذلك اليوم جيداً وأضحك من نفسي، كم يتغير الإنسان وكم تتغير أفكاره وقناعاته، كبرت وعرفت أن (الفول والتميس) ليس شيئاً مخجلاً لأن المخجل حقاً هو أن تأكل في أرقى المطاعم على حساب غيرك دون أن تبادر بالدفع، كبرت وعرفت أن أغلب السرقات تكون من الأغنياء لا من الفقراء لأن الاكتفاء سلوك لا علاقة له بالحاجة المادية!! وأن الذين طالهم بلاغ 980 لم يخجلوا من بيع أنفسهم وضمائرهم مقابل رشاوي مالية وعينية، معتقدين بجهلهم لا بحيائهم أن (البشت) الذي يرتدونه سوف يكون خير عباءة لتعدياتهم واستغلال نفوذهم، وأنه سيحميهم من المسائلة، ويعفيهم من عبء التبريرات.
تساقطت أسماء، ومائة عقال وعقال سقط في وحل قضايا فساد يكشفها لنا برنامج بلاغ 980 في تفاصيل صادمة تثير التساؤل أكثر من أنها تجيب على الأسئلة!! لأكثر من مرة تسأل نفسك لماذا؟؟ ما الذي كان ينقصهم وكيف سولت لهم أنفسهم؟. 45 دقيقة تلهث فيها مع الأحداث لتعطي كل حلقة في نهايتها درساً للمتلقي أن وراء هذا البلد سلطة عندما تمنحك كرسياً أو لقباً فهي تعطيك مسؤوليات يجب أن تؤديها على الوجه المطلوب، لا صلاحيات تخولك للعبث والتعدي على الحق العام، وإن لم يكن ضميرك هو من يردعك فهناك رقيب يتابع سير أدائك ويردع انتهاكاتك لتلك الصلاحيات التي تمنح لك، لتكنس الفساد وتقضي على كل من يخون الثقة والأمانة ويعيق سير تنمية هذا البلد.
عاشرت جميع الطبقات والمستويات وكبرت وعرفت أن الثراء الحقيقي هو ثراء الخلق وأن عزة النفس شيء شبه نادر أكاد لا أجدها بين أوساط الناس بمختلف طبقاتها، كبرت وعرفت أن بين المال والشبع علاقة مشبوهة، لأن الشبع تربية وليس مجرد زيادة حفنة من الدولارات، لأن هناك قوم أكدوا على ذلك، ذكرهم الله في كتابه الكريم في سورة البقرة: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ} (273) سورة البقرة.