إن الكتابة عن المبدعين الأحياء أصعب من الكتابة عنهم بعد وفاتهم؛ لأنهم قد يردون علينا إذا أخطأنا في حقهم، ونُحرج منهم أمام القراء؛ لذا ترددت كثيرًا جدًّا في الكتابة عن إنسان ملهم، أثر علي في مجال شغفي بالقراءة والكتاب. ماذا سأكتب عنه؟ وهل سأضيف جديدًا عما سطره الكثيرون غيري؟
إنه يتيم الأب منذ عامه الأول، ولم يؤت كتابه بيمينه من والده أو من غيره، وإنما أخذه بقوة منذ نعومة أظفاره، فأتاه الله حب الكتاب صبيًّا، فآمن به وعاش معه قائلاً: (هاؤم اقرؤوا كتابيه).
لقد آمن بأن القراءة هي مفتاح العلم والمعرفة، وأنها سبيلنا نحو الرقي والتطور والإبداع، وأن أكثر الناس معرفة أكثرهم قراءة، وأن المجتمع القارئ يحض ويحث ويدعو أبناءه نحو القراءة. حاول أن يجمعنا حول مائدة القراءة لنلتهم الكتب فلا نشبع منها، وأن هناك نهمَين لا يشبعان: طالب مال وطالب علم.
هو مهووس بالقراءة حتى الثمالة، تراه يتأبط كتبًا لا تفارقه في كل زمان ومكان. لقد ناداه الكتاب فكان نعم المجيب، فآمن بأنه خير الجليس الذي لا يطريك، والرفيق الذي لا يملك، فبدل بالكتب الصحابا لأنه لم يجد أوفى منها.
لقد صقل شغفه بالقراءة فتخصص في علوم المكتبات في جامعة الملك عبد العزيز فأخذت مكتبة الجامعة بمجامع قلبه ولبه فقضى جل أوقات فراغه فيها، يروي ظمأه الثقافي منها، ويكحل مقلتيه برؤية أسفارها. وكم آلامه أن معظم طلاب الجامعة اتخذوا هذا الكتاب مهجورًا، وتعاملوا معه بطريقة غير لائقة.
عُيّن بعد تخرجه معلمًا في المرحلة الثانوية لمادة جديدة تسمى المكتبة والبحث فأخذ يبشر بثقافة القراءة بين طلابه، ويحثهم على المطالعة والبحث والكتابة والتأليف؛ ليخرج مواهبهم، فأطلق صرخته لهم في بواكير مؤلفاته «أمة اقرأ لا تقرأ» في عام 1417 الذي أحدث دويًّا لم يتوقعه، وصدى مسموعًا في بعض البلاد العربية، فتكلمت عنه كثير من الصحف، وأجريت معه لقاءات عدة مكتوبة ومسموعة ومرئية.
لقد اتخذ القراءة برنامج حياة، وليست هواية يتسلى بها، فعاش معها وفيها، فأجاد تسويقها حتى غدت علامة مسجلة يشار لمبشرها بالبنان. عاش هموم الكتاب قارئًا ومعلمًا ومؤلفًا ورئيس تحرير لمجلة القرآن نور، وعضو تحرير لمجلة الكلمة، وناشرًا وداعيًا ومروجًا ومبشرًا به؛ ليكون لكل فرد كتابه عبر تأسيس مكتبات منزلية خاصة، ويكون في كل مكان حتى يألفه الناس.
مسيرته مع الكتاب والقراءة لم تكن مفروشة بالورود، ضحك عليه الكثيرون فضحك منهم وعليهم حتى ثبطه بعض المثقفين وبعض أقاربه وأصدقائه حين سأله أحدهم: إلى متى وأنت تتحدث عن القراءة والكتاب؟ فأجابه بكل ثقة: حتى تصير عادة تمارس في كل مكان، ويكون الكتاب بيد كل إنسان، وسأمضي في ذلك حتى آخر رمق في حياتي.
لقد هام بالكتاب وصادقه فشخّص مشكلاتنا مع القراءة في كتابه «أمة اقرأ لا تقرأ»، وحين طالبناه بحلها عالجنا بـ»العلاج بالقراءة»، وحين كثرت استفساراتنا عن القراءة والكتاب أجابنا في كتابه «ويسألونك عن الكتاب»، وحين استصعبت علينا الكتابة سهلها بـ»تجارب الكتاب من القراءة إلى الكتابة»، وحين طلبنا منه تجاربه الحياتية كتبها لنا في «من وصايا جدتي الهاشمية»، وحين طلبنا رأيه في داء العصر (البغضاء) سطره لنا في سفره الجميل «ثقافة البغضاء.. الأمة بين آفاق التعايش وثقافة المحبة»، وغيرها من الأسفار المفيدة التي وصلت إلى 15 سفرًا.
مسيرته مع الكتاب ملأى بالمبادرات التي تشجع الناس على ثقافة القراءة والكتابة، منها: مبادرته في تشجيعهم على الكتابة ونشر إبداعاتهم في كتب مشتركة في سلسلته أفكار هادفة، وفي مجلة القرآن نور التي رأس تحريرها، ومجلة الكلمة التي شارك في تحريرها، ومبادرة مهرجان اقرأ كتابك الذي بدأه في كورنيش القطيف عام 1434 لمرات كثيرة، ومبادرة استبدال الكتب التي نظمها مرات عدة في المكتبة العامة في القطيف، وكذلك نظمها في مهرجان القطيف عام 2017، وغيرها. وكذلك مبادرة عش الكتب لاستبدالها أمام منزله، وبسطة حسن التي ذكرتنا بمكتبة أرامكو المتنقلة، ومبادرات توزيع الكتب مجانًا في المناسبات، مثل: ناصفتكم كتاب، وعيدكم كتاب، والزاد الحسيني، ومن الطارق؟ وآخرها مبادرة توزيع 1000 كتاب في اليوم الوطني السعودي الـ91 في كورنيش القطيف، وكذلك أقام محاضرات ودورات وورش عمل مجانية للكبار، وخاصة للصغار في المدارس وغيرها.
إنها مبادرات غير مسبوقة في بلادنا على حد علمي؛ لأنه منذ ربع قرن دعا المهتمين بالقراءة والكتاب من مثقفين ومؤلفين ومؤسسات وأندية وغيرها خاصة وعامة للنزول إلى أماكن وجود الناس، وعرض كتبهم عليهم، وعدم انتظار حضورهم إليهم.
مبادراته عكست التيار بذهابه إلى أماكن وجودهم ليعرض ويروج الكتب مجانًا واستبدالاً أو بيعًا بهامش ربح بخس حتى بأقل من أسعارها الأصلية.
لقد خدم القراءة والكتاب بمبادراته أكثر مما خدمتهما المؤسسات الثقافية الخاصة والعامة، وهو جدير بأن يستفيدوا من خبرته، وجدير بالتكريم. لقد استثمر نفسه في نشر القراءة والكتاب، وأضاف إلى حياته قيمة مضافة، وسنوات عامرة بالعطاء، ففي عمره القصير الذي بلغ الخمسين أنجز الكثير، وبصم بصمات ثقافية جميلة في قلوبنا وعقولنا، ونقلنا من ثقافة القدم إلى ثقافة القلم. وكم أعجبتني إحدى حكمه: «عجبت لمن يبصر بعينين ولا يقرأ في يومه سطرين».
إن القراءة عنده برنامج حياة، وحياة واحدة لا تكفيه لتحقيق مشروعه كاملاً، وهي رسالة في نظره ضحى في سبيلها بجهده ووقته وماله وراحته بمبادرات أشاد بها الجميع، وكتبت عنها الصحافة. إنه المثقف والكاتب والقاص ومربي الأجيال الأستاذ حسن بن عبد العلي بن سلمان آل حمادة الذي يقرأ ويكتب ليتنفس، وينشر الكتاب ليعيش، إنه كتاب يمشي بيننا، وواجهة ثقافية لمحافظة القطيف. وكم أتمنى أن يكتب سيرته الذاتية في مجال القراءة ونشرها والتأليف، وينقل لنا تجاربه لتكون نبراسًا لمن أراد أن يواصل نشر القراءة ويطورها.. فله منا جزيل الشكر.