إبراهيم بن جلال فضلون
ارتفاع جاذبية الإصدارات الحكومية الشهرية في أعين المستثمرين مع التزايد التدريجي في عوائدها، يعود لاستمرار التركيز على ضبط الإنفاق وانعكاس النمو السريع لعوائد سندات الخزانة الأمريكية على الإصدارات المحلية، ليحمل عامنا الحالي قفزة في الإيرادات من 849 مليار ريال في تقديرات الميزانية إلى تقدير معدل يبلغ 930 مليار ريال، ومع زيادة إنتاج النفط وتحسن أسعاره، جعلته بالمنطقة الإيجابية خلال الربع الثالث للمرة الأولى مُنذ 11 شهرًا، بنمو اقتصادي متوقع يصل لـ 7.5 % 2022، مقارنة بـ 2.6%، واستهدافها تحقيق عجز بـ 1.6 % للعام نفسه، مما يَصعدُ بجاذبية أدوات الدخل الثابت في أعين المستثمرين المحليين والدوليين لأجل الاحتفاظ بأوراقهم المالية، وحصلوهم على عائد حقيقي في السوق السعودية «عبر شرائهم لأدوات الدين الحكومية» مقارنة بدول العالم الأخرى، وهو ما أشارت إليه تقارير «رويترز» بوصول السندات ذات العائد السالب لـ59.8 %، من إجمالي سندات حكومات منطقة اليورو، بل وجاء تقرير وكالة «ستاندرد آند بورز» SالجزيرةP مُصنفةً السعودية بالإيجابي مما عكس صورة المركز المالي والوضع الاقتصادي بوجه عام، لينتج العائد الحقيقي لمؤشر «ايبوكس» لتداول الصكوك الحكومية بالريال السعودي وفق منصة (IHS Markit)، 2.63 %، بنهاية أغسطس.
لتسبق المملكة وفق إستراتيجية استثمارها ذات الرؤية البعيدة، الولايات المتحدة ومنطقة اليورو في تحول العائد الحقيقي إلى المنطقة الإيجابية لشهرين متواصلين منذ يوليو الماضي، ولعل توجه المملكة للاقتراض عوضًا عن استغلال مواردها الموجودة، بجانب عمل مركز إدارة الدين العام، عمل بمنهجية مميزة في معالجة أسلوب الاقتراض والديون العامة، والوصول إلى الجهات المقترضة بشكل احترافي، بالإضافة إلى رفع قيمة الضريبة المضافة، من 5 % إلى 15 % مقارنة مع مستويات ضريبة 45 % بعواصم عالمية، بجانب توقعات إعادة النظر بنسب الضرائب في المملكة، وانخفاض العائد الحقيقي على أدوات الدين - العائد الاسمى مطروحًا منه التضخم- إلى ما بين - 2 %، إلى - 3.3 %، منذ بداية 2021 لمنتصفه في يونيو، بينما بلغ العائد على مؤشر(IBEX) للصكوك الحكومية بالريال السعودي، مستوى 2.93 %، وهو أكثر من معدل التضخم المسجل في (أغسطس) 2020 بالمملكة عند 0.3 %.. لكنه في عام 2022 بلغ 1.3 %، ليتوقع وصوله بحلول عام 2023 إلى 2 % متكرراً بالنسبة نفسها في 2024، وتلك من الناحية العملية. أما نظريًا فإن التضخم يؤثر في العملة التي تستخدم بالاستثمارات، وفي حال بقاء مستويات التضخم إلى ما دون العائد السنوي الخاص بمؤشر (IBEX) فإن المستثمرين سيستمرون في تحقيق عوائد إيجابية، بعد الأخذ في عين الاعتبار القدرة الشرائية على استثماراتهم.
ومع وجود صندوق سيادي بالعالم وهو صندوق الاستثمارات العامة، الممول الأكبر للمشروعات الطموحة المرتبطة بإستراتيجيتها لتقليل اعتماد الاقتصاد على النفط، لذا فهي مفتاح وكلمة سر باكورة الاستثمارات المالية للمشاريع في القطاعين النفطي وغير النفطي مثل القدية وآمالا وغيرها، جعل التصنيف الائتماني للمملكة عند A- مع نظرة مستقبلية مستقرة، متوقعة انتعاشًا في النمو حتى عام 2024، رغم ظروف الوباء وتحدياتها على الاقتصاد، التي تتباين خلالها معنويات المستثمرين وسط الانتشار السريع لمتحورات كورونا، وتراجع العائد الحقيقي على السندات مع اتجاه البنوك المركزية لخفض معدل الفائدة وتطبيق تحفيزات نقدية غير مسبوقة للحد من وطأة التداعيات الاقتصادية.
غير أن إستراتيجية الحكومة السعودية ارتكزت على حفاظها على الاستدامة المالية وتعزيز الوضع المالي للمملكة مع وجود مرونة في التعاطي مع الاحتياجات التمويلية حسب تطورات الأسواق، حتى يصل إجمالي الدين العام خلال العام 2022 إلى 989 مليار ريال، بنسبته 31.3 % من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنسبة عام 2021م 30.2 %، ليكون انخفاض نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024 هو 27.6 %، وبالتالي يتم الحفاظ على معدلات مناسبة من الاحتياطيات الحكومية لتعزيز قدرة المملكة على التعامل مع كافة الصدمات التي روضتها المملكة في قمة العشرين، لينعكس إيجابياً على المُستثمرين لأن عوائدهم الاستثمارية لن تتناقص بشكل كبير لمصلحة التضخم خلال الفترة المقبلة، مع تسارع التضخم عبر الأشهر الماضية وتعافي الطلب وإعادة فتح الاقتصاد، إضافة إلى أزمة نقص المواد الأولية واضطرابات العرض.