صدر مؤخراً كتاب الاستراتيجية بين النظرية والتطبيق مصطلحات ومفاهيم للواء ركن متقاعد الدكتور علي بن هلهول الرويلي. وجاء الكتاب في حوالي 200 صفحة من الحجم المتوسط، جمع فيها المؤلف المادة العلمية الرصينة مع خبرته العملية في إعداد البحوث بمجالات الأمن القومي والشأن الاستراتيجي، بالإضافة إلى عمله مساعداً للأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي حتى تقاعده ثم مستشاراً في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
يقول الدكتور الرويلي إن تأليفه لهذا الكتاب يهدف إلى إعادة مفهوم الاستراتيجية إلى رحمها الأساسي بعد استخداماتها المفرطة في مجالات الحياة الإنسانية وبمواقع غير موقعها أحياناً، بل واختطافها أحياناً لتوظيفها في مواقع أخرى، فهو يرى أن الاستراتيجية ليست إدارة ولا تخطيطاً، ولا حتى مؤشرات أداء أو سياسة، وإنما هي غاية نهائية تتكون من أهداف، وهي غاية لدولة أو مجتمع أو فرد تتشكل وتنظم بالتخطيط، وتنفذ بالإدارة والوسائل والإمكانات المتاحة؛ لتسير وفق سياسات مرسومة عبر مراحل زمنية تطول أو تقصر وفق حجم وطموحات تلك الغاية.
ويؤكد المؤلف على أن الاستراتيجية هي الرؤية، ويدافع عن ذلك بقوله إن «مصطلح الرؤية تعريباً لكلمة الاستراتيجية، والتي هي في الأصل كلمة يونانية لاتينية..» ويضيف: «لذلك عندما نقول الرؤية فنعني بذلك الإستراتيجية، لأن الرؤية كلمة لها بُعد بصري وبُعد قبلي، يفيد التأمل وبجمع هذين البعدين نحصل على مفهوم استشرافي ومستقبلي، وهنا نستطيع أن نوظف هذا المصطلح العربي للرؤية على أنها الاستراتيجية المقصودة».
وقد عد المؤلف رؤية المملكة 2030 استراتيجية وطنية شاملة، وأوردها كمثالٍ على الاستراتيجية بين النظرية والتطبيق، حيث عدها من أهم الاستراتيجيات في الوطن العربي والتي تحتوي على خطة كبيرة للإصلاح التنموي والاقتصادي والاجتماعي، فهو يؤكد على أن الرؤية واضحة الغايات الاستراتيجية والأهداف والوسائل والمراحل وأنها تتماشى مع إطارها النظري.
ولم يكتف في التفصيل حول ذلك، وإنما تناول وبعمق الأهداف التي اشتملت عليها الرؤية وبرنامج وأدوات تحقيق الرؤية، بالإضافة إلى المراحل الزمنية والوسائل والأدوات في هذا الجانب وبين من خلال توجهات الرؤية وخبرات المؤلف العملية ومعرفته التراكمية في مجال البحوث العلمية أهمية رؤية المملكة 2030 ودورها في نمو وازدهار الوطن وعلى جميع المستويات.
ويؤكد الدكتور الرويلي على أن من ينهج الفكر الاستراتيجي يتعامل مع المستقبل حيث يمنحه الزمن والمسافة الكافية لتحقيق طموحاته وأهدافه.
كما تناول الكتاب وبعمق منهجية العلم الاستراتيجي، وبين أسس بنائه وخصائصه والعوامل المؤثرة فيه، وعدد بعض الأمثلة على تطبيقات الاستراتيجية من أماكن ودول مختلفة لمعرفة هذا العلم وترسيخ مفاهيمه.
وقد طالب المؤلف الخبراء والمختصين في العلوم الاستراتيجية أن يسهموا بإيجابية في إثراء هذا الفكر، وبناء النظريات العلمية المتخصصة والملائمة لواقعنا العربي، لتكون طريقاً مُناراً بالوسائل العلمية والمساعدة للقادة وأصحاب القرار والمعنيين ببناء الاستراتيجية الوطنية والشاملة، حتى ينمو هذا الفكر ويتراكم ويصبح جزءاً من ثقافتنا لينعكس في النهاية على جودة الحياة وسلامتها في كل المجالات والمستويات.
الكتاب بصفة عامة هو فكر جديد ومنهجية علمية في عالمنا العربي تسهم في التعريف والتفصيل بهذا العلم الذي يؤكد المؤلف على أنه جاء من رحم العلم العسكري الذي يعتبر الاستراتيجية نهجاً في التفكير وأسلوباً في العمل. كما تميز الكتاب في موضوعاته ومناقشاته العلمية لمصطلحات ومفاهيم الاستراتيجية، وهو من الكتب العربية النادرة جداً سواءً من حيث الموضوعات التي تناولها في مجال الاستراتيجية وتطبيقاتها أو من خلال المحتوى الفكري المبني على قاعدة علمية ذكرها المؤلف في نهاية الكتاب من خلال عددٍ من المصادر والمراجع العربية والأجنبية، لذا يُعد ثروة علمية للمكتبات بصفة عامة وللمختصين في العلوم العسكرية بصفة خاصة.