في أحد الأيام رأيت جاري يخرج من داره مستعجلًا لصلاة الجمعة، وبيده علاقة ترفرف فوقها عمامة، وبمجرد وصوله مركبته أخرج العمامة ولوّح بالعلاقة، فأخذت أكلم نفسي:
يجب عليك أن تظهر له عدم الرضا... لا تداهنه..
هل تريد أن تهجر حيك الذي ولدت فيه وترعرعت في أحضانه كما فعلت مع معشوقك البحر بسبب شاطئه؛ الذي أصبح ملغمًا بأعواد الساتي المدببة، شظايا الزجاج وأسياخ الحديد التي تم استبدالها بدلًا من الحبال لربط الحطب؟!
لا بد أن تفعل شيئًا.. كفاك سلبية...
فاستجبت لندائه وأسرعت وحملت العلاقة من على قارعة الطريق واتجهت إليه وقلت بأدب: هذه العلاقة قد تكون سببًا في بتر قدم مريضٍ بالسكر، وهم كما تعلم كثيرون...
قاطعني ولم يتركني أكمل حديثي، وقال من دون أن ينظر إليَّ: ما شاء الله! عامل فيها خواجة؟!
فقلت بغضب: ماذا تقول؟!
خواجة؟!
التفت إليَّ وبكل ثقة قال: اطمئن لن تبتر قدم إلا بقضاء الله، وأدار محرك سيارته وتركني..
وقفتُ في ذهولٍ أفكر، وأخذت أردد كالمجنون: قضاء الله! خواجة!
ما هذا المنطق؟!
والإنسان متمكن من اختياره بما أعطاه الله من العقل، وأعماله مبدؤها كسبي وأثرها اضطراري، كيف أعتقد هذا أن الذوق والرّقي الحضاري قيم غربية خالصة، لا يمكن لنا اكتسابها؟!
أين هذا من الحديث الذي قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ».
لماذا ظن أن الإسلام في المسجد فقط؟!
فجأة لمعت في رأسي فكرة، وأنا أنظر بحقدٍ إلى العلاقة التي بيدي، علمت عندها أنني وجدت الحل لإسكات مصدر البلاء، لن يكون في قلبي خصمان مختصمان بعد اليوم..
أتعلمون ماذا فعلت؟
فككت العلاقة وأنا أنظر لها بحقد، وبكلتا يديَّ المرتعشتين فرجتها بعنف حتى اعتدلت وأصبحت كحبل، وأخذت أهزها، ثم طوحت بها في الهواء لأرى مدى مرونتها.