منذ نحو قرن، ظهرت المجامعُ اللغوية، في البلدان العربية المجاورة مصرَ وسوريا والعراق، وكان من أهدافها: المحافظة على سلامة اللغة العربية، وجعلها وافيةً ملائمةً لمطالب الحياة وحاجاتِ العصر فكانت تلك المجامع قلاعًا حصينةً للغتنا العربية وآدابها وكان المثقفون وأهل التخصص ينتظرون بشغفٍ واهتمام قراراتِها الموسمية في التأصيل والتصويب والتعريب والإنماء اللغوي، وما يكتبُهُ أعضاؤُها من أبحاث يشاركُهُم نخبةٌ من اللغويّين والأدباءِ السعوديّين الذين مُنحتْ لهم العضويةُ تقديرًا لعلمِهم ولمكانة بلادِهم، ويعدّ مجمع القاهرة أشهر المجامع اللغوية العربية وأكثرها تأثيرًا في اللغة والأدب، ويسمّى مجمع الخالدين؛ لأنّ لائحة المجمع تنصّ على أنّ عضو المجمع لا يُفصل ولا يُعزل بل يبقى حتى الممات.
والمجمعيون السعوديون الخالدون ثلاثة عشر عضوًا عاملًا ومراسلًا، أقدمهم حمد الجاسر، فقد كان انضمامه لمجمع القاهرة عضوًا عاملًا بتاريخ 1378هـ 1959م، وكان الجاسر عضوّا في كل المجامع اللغوية العربية في زمانه، حصل على عضوية مجمع بغداد أولًا، ثم مجمع دمشق، ثم مجمع القاهرة، ثم مجمع الأردنّ، ويعدّ إجماعُ المجامع العربية على عضويته شهادة له بالعلم والفضل، حصل عليها بعلمه وفضله لا بمنصب أو جاه، وحين مات الجاسر رثاه الشعراء، وجاء في مرثية الشاعر السعودي أحمد الصالح «مسافر» قوله:
حبيبَ شماريخِ الجبالِ أمينَها
على سرّها يبكيك سارٍ وساربُ
مجامعُ أهل الضادِ تندبُ شيخَها
وعرّاب ناديها ويبكيك صاحبُ
سهرتَ على التاريخِ أرضًا وأُمّةً
تُمحِّصُ أخبارًا ورأيكَ ثاقبُ
وسمعتُ الجاسر في محاضرة له بنادي مكة الأدبي سنة 1414هـ يذكر أنه أرسل في سنة 1409هـ رسالة لمجمع القاهرة يرشّح أربعة من السعوديين ليكونوا أعضاء في المجمع، وذكر أنّ المجمع قَبِل ترشيحهم، وهم: حسن عبدالله القرشي، وعبدالعزيز الرفاعي، وعبدالله بن خميس، ومحمد بن عمر بن عقيل (أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري) وذكر الدكتور محمد الربيّع في بحث مهمّ له عن المجمعيين السعوديين أنّ أبا عبدالرحمن بن عقيل لم يحضر اجتماعات المجمع.
ثم ضمّ المجمع في سنوات متفرّقة لاحقة أعضاء جددا، وهم: يحيى المعلّمي، وأحمد الضبيب، ومحمد الربيّع، وعوض القوزي، وعبدالعزيز بن عثمان التويجري، وعبدالله العثيمين، وعائض بن بنية الردادي، وعبدالله عسيلان، وأكثرهم أعضاء مراسلون، وأمّا الأعضاء العاملون فثلاثة: حمد الجاسر، وأحمد الضبيب، وعبدالله عسيلان.
وهذه قائمة مختصرة بأعضاء مجمع القاهرة من السعوديين:
1- الشيخ حمد الجاسر، تم اختياره عضوا سنة 1378هـ بتزكية من إبراهيم مصطفى ومحمد علي النجّار، وصدر قرار جمهوري بعضويته برقم 1537 لسنة 1958هـ.
2- الأديب عبدالعزيز الرفاعي انتخب عضوا مراسلا في عام 1408هـ 1986م.
3- الأديب عبدالله بن خميس، انتخب عضوا مراسلا في عام 1408هـ 1986م.
4- الشاعر حسن بن عبدالله القرشي، انتخب عضوا مراسلا في عام 1408هـ 1986م.
5- أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، انتخب عضوا مراسلا في عام 1408هـ 1986م (ولم يحضر اجتماعات المجمع، ويبدو أنه استبعد).
6- الفريق يحيى بن عبدالله المعلمي، انتخب عضوا مراسلا في عام 1414هـ 1994م.
7- الدكتور أحمد بن محمد الضبيب، انتخب عضوا مراسلا في عام 1417هـ 1997م ثم أصبح عضوا عاملا بعد وفاة حمد الجاسر.
8- الدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيّع، انتخب عضوا مراسلا في عام 1417هـ 1997م.
9- الدكتور عوض بن حمد القوزي، انتخب عضوا مراسلا في عام 1423هـ.
10- الدكتور عبدالله الصالح العثيمين (انتخب عضوا مراسلا ولم أقف على تاريخ انتخابه).
11- الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري، (انتخب عضوا مراسلا ولم أقف على تاريخ انتخابه).
12- عائض بن بنية الردادي، انتخب عضوا مراسلا في عام 1435هـ 2013هـ.
13- عبدالله بن عبدالرحيم عسيلان، انتخب عضوا عاملا في عام 1437هـ 2016هـ.
وكان لبعض المجمعيين السعوديين مكانة وشهرة على مستوى الوطن العربي، كعلامة الجزيرة حمد الجاسر، يقول الدكتور محمد الربيع حين انضمّ للمجمع: «حينما دلفتُ إلى مبنى مجمع اللغة العربية بالقاهرة، لأول مرة عام 1417هـ وجدت الحضور من أعضاء المجمع، وقد تحلّقوا حول شيخ كبير ذي هيبة وجلال هذا يسأل عن موقعٍ (موضع) وذلك يستفسر عن كتاب، وثالث يطلب النجدة للحصول على صورة مخطوطة، ورابع يهدي كتابا له صدر حديثًا، فشعرت بفرح واعتزاز شديد؛ لأن ذلك الشيخ الجليل هو علّامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر، رحمه الله، وقد تساءلت عن سرّ هذا الاهتمام والتبجيل من قبل المجمعيين، فوجدتُ الجواب في إسهاماته المجمعية المتنوعة، وبصفة خاصة فيما يتّصل بالمعجم الكبير، حيث كان يناقش موادّه ويقدّم ملحوظاته على فصله الذي تقدم للنقاش والإقرار ثم على مجلداته حين صدورها»، وكان للشيخ الجاسر أبحاث ألقاها في مؤتمرات المجمع، وله نقد على بعض الكتب والأعمال الصادرة عن المجمع أو المقالات الصادرة في مجلته، فضلا عن مداخلاته في جلسات المؤتمر السنوي للمجمع.
وكتب المجمعيون السعوديون غير الجاسر أبحاثا مقدمة إلى المجمع كثيرة، فعلى سبيل المثال قدّم عبدالله بن خميس جملة من الأبحاث والأوراق العلمية للجمع وفي بعض مؤتمراته، منها (قبيلتا طسم وجديس) سنة 1977 و(إحياء التراث في البلاد السعودية) سنة 1986م و(حفظوا اللغة في عصر الأمية وأضاعوها في عصر العلم)، سنة 1990م، و(الفصحى أمانة في عنق هذه الأمة) سنة 1992م و(رياضة الصيد عند العرب) سنة 1994م وغيرها.
وأما معايير الاختيار للمجمعيين السعوديين من قِبَل المجامع العربية فلا أعرفها، وأحسب أنها معايير دقيقة ومنصفة، مع تأثير عنصرين رئيسين: الأول: مكانة العضو العلمية وقيمة نتاجه العلمي، والثاني: المنصب الذي كان يشغله العضو عند اختياره، فبعض المناصب تُعجّل بذلك وتدفع إليه، وأمّا حمد الجاسر فكان اختياره بناء على العنصر الأول وحده، وهو مكانته العلمية ونتاجه العلمي، وقد أطلق عليه أديب العربية الكبير طه حسين اللقب الشهير الذي يعرف به: علّامة الجزيرة العربية.
وإن كان أولئك الأساتذة الفضلاء من صفوة العلماء واللغويين والأدباء في المملكة العربية السعودية، فهنالك علماء كُثُر لا يقلّون عنهم علما وفضلا وتحقيقا، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر (مع حفظ الألقاب العلمية): محمد بن عبدالرحمن المفدّى، ومحمد بن ناصر العبودي، وتركي بن سهو العتيبي، ومحمد يعقوب تركستاني، وعبدالله الغذامي، ومحمد حسن باكلا، وعيّاد بن عيد الثبيتي، ومحسن بن سالم العميري، وسليمان العايد، وسالم الخمّاش، وأبو أوس إبراهيم الشمسان، وعبدالله بن صالح الوشمي، ومحمد ربيع الغامدي، وعبدالله عويقل السلمي، وحمزة بن قبلان المزيني، ومعيض بن مساعد العوفي، وأحمد بن سعيد قشاش الغامدي، وسليمان الذييب.. وغير هؤلاء كُثُر، ولا أستطيع الحصر في هذه العجالة، فأرجو أن تعذروا ذاكرتي وتقبلوا اختصاري.
ولا يفوتني في هذه المناسبة والحديث عن المجامع أن أشيد بقرار حكومتنا السعودية الرشيدة المتضمن إنشاء مجمع لغوي سعودي في بلادنا، وكان هذا المجمع حُلُمًا وأمنيّةً عزيزةً، نتحدثُ عنها بكثيرٍ من الأمل، فأصبحت الأمنيّة حقيقة، بعد موافقة خادم الحرمين الشريفين (الملك سلمان بن عبدالعزيز) على إنشائه، في قرارٍ تاريخيٍّ في مسيرة لغتنا وثقافتنا العربية، فجاء مجمعنا الوليد كيانًا عالميًّا لخدمة اللغة العربية، يعكسُ عالميتها ومكانة بلادنا بين الأمم، ولم يكن ذلك غريبًا على قيادتنا، فالمملكةُ العربيةُ السعودية هي مهبطُ الوحي، ومنبعُ العربية الفصحى، ومصدرُ لهجاتِها وتراثها الشعري، ومن أرضِها دُوّنت اللغةُ وجُمعتْ، في عصورِ الاحتجاج. ومن المنتظر أن يُسهمَ المجمعُ في إثراء المحتوى العربي في مختلفِ المجالات، ويُبرزَ مكانةَ بلادنا، ويؤكّدَ ريادتَها في خدمة اللغة العربية، ويعزّزَ حضورَها الثقافيَّ عالميًّا، بعد أن غدتْ بلادُنا واحدةً من دول العشرين الكبرى في الاقتصاد والتأثير العالمي.
ولقد نجحتْ وزارةُ الثقافة في إطلاقِ مبادرتها المجمعية، ونجحتْ في رهانها على العُمق الثقافيِّ واللغويِّ في بلادنا، فجاءَ القرارُ استجابةً للتطلعات والآمال، وجاءت الرؤيةُ المعلنةُ للمجمع طَمُوحةً متجاوزةً الحدودَ الجغرافية.
** **
- د. عبدالرزاق الصاعدي