شوقية بنت محمد الأنصاري
جبل الإنسان على حب الجمال والبحث عن الحرية وتتبع أنوار موجات الجمال، هكذا ترجم جمهور معرض الكتاب الدولي بالرياض عن شوقهم لهذا الحدث الثقافي بعد عزلة عامين، فتسارعت خطاهم نحو مسرح الخيال الثقافي المعرفي، لينعكس ضوءه على الصغير قبل الكبير، فقد تفرد المعرض بتخصيص جناح للطفل؛ لصقل مواهبه، ودعم توجهات أسرته التي تسعى للنهوض بهمّته، فضمّ الجناح مكتبة للمطالعة الحرة المجانية، وقاعات للورش التدريبية مهيأة بأحدث الوسائل التدريبية تسمو بمهاراتهم القرائية والكتابية، وركن للحكواتي يعيش معه الطفل أجمل القصص، وقاعة للألعاب والمسابقات المبرمجة الافتراضية، وركن لجمال الفكر وصناعة الخيال، وترافقها لغة الفنون والنحت والألوان، ليجد الطفل عالمه من مدخل المعرض، فيتراقص نشوة بين جنباته ويشد بيد أبيه وأمه ليعيش الدهشة والحدث، وما جاء هذا الجهد إلا أيمانًا من المختصين والمسؤولين بأهمية تعزيز التربية الجمالية والثقافية في نفوس الأطفال والناشئة، التي تزداد وهجًا بحضور القلم والكتاب، والريشة والألوان. ومما زادني يقينًا بضرورة الاستثمار في الطفل قوة حضورهم في البرامج التدريبية وتفاعلهم الشغوف مع الأنشطة المتنوعة لإيصال صوت جمالهم، ففي برنامج (التعبير الكتابي) وظِّف الجمال البصري الذي يشكل نقطة مهمة في نفسية الطفل وعملية تعليمه، ومن ثم دعمها بالتعبير الشفهي الذي يكسر باعث الخوف والخجل، لينطلق الطفل مع التوجيه والتيسير في نقش صوته بحروف مكتوبة، وإذا به يسطّر يومياته بمعرض الكتاب بأسلوب قصصي عاش بطولته بين زوايا جناح الطفل، لتأخذ طاقات الإبداع الطفولي مجراها وتختال في تجوالها على أجنحة الكتب والمؤلفات، وتفرض رأيها في اقتناء لعبة أو حضور ورشة أو اختيار كتاب يلامس اهتمامها، وإذا بأحداث وفعاليات المعرض تشكل عنصر دهشة يثير البحث عن الحقيقة لدى الطفل، ولامستُها في الساعات المعدودة من برنامج (كيف تكتب كتابًا) سرد فيها الطفل قصصًا إلهامية نثرها في حديقة التدريب، كمغامرته في المنافسة في عدة مسابقات دينية وأدبية وعلمية أيضًا، وتخطيطه لتكوين مكتبته المنزلية الخاصة، وقدرته على إتقان لغة الإشارة في حواره مع والدته، وناشئ ينقش خبرته في المنافسة العلمية للروبوتات وكأنه يرسم أدبيات الرحلة التنافسية، وهناك من كان يلهو برسم حلقات الورشة وتفاعل الأطفال في مشهد كاريكاتيري، وهكذا مضت الطفولة تترجم من مسرح معرض الكتالأسرتها ومدربيها أن الجمال عابق بعالمها، وما لديهم من ملكات ومواهب حان لها أن تخرج في ومضات كتابية، فقارئ اليوم بات متحمّسًا للكتابة، التي شهدت انحدارًا مع سيطرة العالم التقني السريع، ففقد الأطفال والناشئة حب القراءة والكتابة، حول كل هذه القضايا التي تختصّ بمهارات الطفولة وآدابها، اجتمع المختصون من الكتاب والناشرين لجذب فضول الطفل نحو أدبيات هادئة، وتشاركوا معه الإنتاج الأدبي والفني والثقافي وفق منظومتنا المتحضّرة الواعية، ونتطلع مستقبلاً من (وزارة الثقافة/هيئة الأدب والنشر) أن تضم معارض الكتاب أجنحة للطفل المؤلف ليقف بمؤلفاته أمام الجمهور ويترجم جماليات فكره، وذلك وفق شروط ومعايير تضمن حضور الكتاب بجودة ثقافية عربية ذات محتوى معرفي هادف، ومن خلال تجربتي بتدريب الأطفال والناشئة خلال (جائحة كورونا) أدهشني شغفهم في إيصال إبداعهم الكتابي بحضور صوت الحكمة والاتزان في التعامل مع الأزمات النفسية والاجتماعية والبيئية، فتحوّل شغفي الطفولي معهم، لأجمع ما نقشته أقلامهم في كتاب مشترك يضم ستة وسبعين طفلاً وناشئًا وبالتشاور معهم تم عنونة الكتاب باسم (أدب الطفل بأقلام الناشئة) وبرعاية مجتمعية من مؤسسة ثقافية (نادي الأحساء الأدبي)جعلت من صوت الطفل حكاية واعدة للطفل الأديب. ومما أقترحه بعد هذا الحراك الثقافي أن يتواجد مشهد آخر لا يقل أهمية عن الكتاب ألا وهو (مسرح الطفل) وذلك بتنظيم مسرحيات بطلها الطفل المثقف، لنقوده نحو تجربة مسرحية فنية،، فنرسم معه وله الكلمة المضيئة والجمل المشرقة، ويحتويها بإشارات بلاغية فصيحة، يتفاعل مع نغمها الأطفال وتضئ مستقبلهم، ويناضلون لصناعة مجد من ثقافة محصنة واعية، شغوفة متفائلة، ومعتزة بهويتها الفصيحة العربية، في محتواها الكتابي والإعلامي، وعلى الرغم من ندرة كتب ومراجع مسرح الطفل إلا أنه كان حاضرًا بالمعرض بكتاب تفرّد الإنتاج المسرحي للدكتور بندر عسيري بعنوان (مسرح الطفولة المبكرة واللعب التمثيلي) رسم فيه خارطة السياحة المسرحية لترسيخ حب الفن لدى المتعلمين من الأطفال والناشئة، بتوظيف المعرفة والمقررات الدراسية والألعاب التفاعلية فيتداولها الطفل بطريقة حوارية شائقة تنطق جمالاً بجرأته الفصيحة المتعمقة بالقيم الأصيلة، وينقلها للجمهور دون تكلف وقلق، وتستمر رحلته في البحث عن الحقيقة؛ ليعيش تجربة مع جميع أنواع العرض المسرحي: مسرح الدمى ومسرح الظل، وقد بدأهمن مسرحه المنزلي والمدرسي. فبوجود أسرة متعلمة متحضّرة واعية تكتمل المشاهد في صقل المواهب، وبتحقيق التشارك الفردي والمجتمعي والمؤسساتي حتما سينمو غراسنا في الطفولة، ويثمر من ساحتنا الثقافية الطفل الأديب؛ لنقود حراكًا عالميًا في أدب الطفل، ختامًا أشير إلى ما ذكره أ.د محمد بن عبدالعظيم بنعزوز في كتاب (لغة الطفل العربي) من إصدارات مركز خدمة العربية: «إن تنمية لغة الطفل شفهيًا وكتابيًا تنم عن رغبة قوية في تحويله من قبل والديه من إنسان أمّي إلى إنسان متعلم، ومن إنسان عامي إلى إنسان عالم، ومن إنسان بدائي إلى إنسان متحضر» وهذا التوجّه نحو دعم الطفولة وحقوقها هو أحد مرتكزات السعودية العظمى ورسالتها الإنسانية في دعم ملايين الأطفال الذين حُرموا من التعليم بسبب الكوارث الطبيعية والأزمات، لنوقظ هذا الحسّ الإنساني باستثمار معالم التربية الجمالية ليحيا الطفل في أمان واطمئنان واتزان وحبّ للجمال، بإرادة مصوّرة مبدعة في خلق الجديد، هكذا نمضي في تنمية الانسان والنهوض بالأوطان.
** **
(كاتبة ومدربة وباحثة في أدب الطفل)