علي صالح علي الفهيد
كانت المجالس المنزلية قبل ربع قرن تقريباً ملتقيات مفتوحة، يلتقي فيها الأهل والأقارب والجيران والمعارف وغيرهم يومياً بدون مواعيد مضروبة أو مناسبات مفروضة.
كانت متنفساً لهم، فيها يرفهون عن أنفسهم، ويتبادلون أطراف الأحاديث والمنافع في زمن لم تتوافر فيه المراكز والمجمعات الترفيهية.
كانوا يهتمون بها؛ لأنها تمثّل لهم واجهة اجتماعية، فيجعلونها أكبر الغرف وأهمها وأجملها، ويكرمونها بما تحتاجه، وربما يقصرون على أولادهم بسببها!
المجالس الخاصة متعددة منها مجالس الوجهاء والأدباء والعلماء وغيرهم، تُفتح غالباً في أيام وأوقات محددة، وهي بمثابة منتديات ومجالس اجتماعية وفكرية ومدارس تعليمية، يحضرها مختلف أطياف المجتمع، ويحضرها كذلك أبناء أصحابها لاستقبال الضيوف وتقديم واجب الضيافة وبخاصة الشاهي والقهوة العربية:
يا ما حلا الفنجال مع سيحة البال
في مجلس ما فيه نفس ثقيلة
هذا ولد عم وهذا ولد خال
وهذا رفيق ما لقينا مثيله
فيها يكتسب مرتادوها خبرات وفوائد جمة وعلوم رجال بالإضافة إليها يتعلّم الصغار فيها أساليب الضيافة وفنون التعامل، ويستمعون لقصص الأسلاف.
في ظل التطورات الاجتماعية الأخيرة، وانشغال الناس المتوهم وتباعدهم واختلاف أعمالهم واتساع المدن، وضعف صلة الرحم والعلاقات الاجتماعية، وزهدهم بالمجالس المنزلية، استعاضوا عنها بالديوانيات الملحقة بمنازلهم وبالديوانيات المستأجرة وبمجالس العائلات والاستراحات، وقام بعضهم بتصغير مجالس منازلهم، وبعضهم يكبرونها، ويهتمون بها لكنهم غير حريصين باستقبال الضيوف فيها؛ مما أدى لضعف مهارات التواصل الاجتماعي وفنون الضيافة لدى الشباب والأطفال.
في زمن الطيبين -كما يُقال- كانت الدور صغيرة، فيها المجالس مفتوحة، بالحب معمورة، بدون برستيج أو إيتيكيت، والآن اتسعت الدور وضاقت الصدور.