محمد سليمان العنقري
قبل أكثر من عام ونصف العام كان الحديث عن ضبابية في مستقبل الطاقة الكربوهيدراتية، بعد التراجع الحاد في الطلب، بسبب الإقفالات التي وقعت مع بداية تفشي فيروس كورونا عالمياً، ثم تفاقمت الأزمة من تراجع في الطلب على النفط بنحو 30 في المائة وكذلك الغاز الطبيعي إلى زيادة هائلة في المخزونات وبعد أن تفاهم المنتجون من أوبك وخارجها على أكبر اتفاق تاريخي لخفض الإنتاج لإعادة التوازن للسوق وما رافق ذلك من مبادرات كبرى لدعم الاقتصاد العالمي، كخفض أسعار الفائدة وإطلاق برامج للتيسير الكمي وغيرها من المبادرات، إضافة للعمل الجبار عالمياً لمواجهة الفيروس الذي أثمر عن إنتاج العديد.
من اللقاحات التي غيرت مسار مواجهة الجائحة مما أعاد الروح والحيوية للاقتصاد العالمي وبدأ الطلب على الوقود الأحفوري بالارتفاع ومن أسعار منخفضة جدا شهدها العالم في أبريل من عام 2020 إلى ارتفاعات بعدة أضعاف في الفترة الحالية، حيث يتداول البرميل عند 85 دولاراً لخام برنت، بعد أن هبط لأقل من 20 دولاراً.
إلا أن ما تغير حالياً ليس فقط عودة التوازن لأسواق النفط، بل ظهرت أزمة طاقة عالمية رفعت الطلب على النفط حاليا بشكل مفاجئ وبمدة قصيرة، لكن ما رافق هذه الأزمة المعاكسة لما كان في العام الماضي هو ظهور تخبط لدى كبار المستهلكين لامهم عليه كبار المختصين والمحللين لأسواق الطاقة في تلك الدول في مقالات عديدة نشرت بمواقع مختصة في أسواق الطاقة، حيث ذهب بعضهم لتوقع وصول سعر برميل النفط لما بين 180 دولاراً إلى 200 دولار للبرميل، بشروط وظروف معينة ترتكز على زيادة مطردة بالطلب تفوق حجم الإنتاج حتى لو عاد لما قبل جائحة كورونا، فالأزمة بدأت من تذبذب إنتاج الكهرباء نتيجة لعودة النشاط الاقتصادي للتعافي في العالم وفي أوروبا والصين تحديدا وأسباب هذا التذبذب هو التسارع الكبير في أوروبا للاتجاه للطاقة المتجددة من الرياح والشمس التي تصنف بعدم استقرار إنتاجها، فكما قال أحد خبراء الطاقة الأوروبيين أنتم لا يمكنكم التحكم بسرعة الرياح ولا بدوران الأرض حول الشمس مما اضطرهم للعودة لإنتاج الكهرباء بالاعتماد على الغاز والفحم الحجري الذي كانت زيادة إنتاجه أقل من زيادة الطلب عليه في هذه الفترة نتيجة لسياسات اتبعتها تلك الدول لخفض الانبعاثات الكربونية دون النظر لإستراتيجية واقعية لمزيج الطاقة وبارتفاع أسعار الغاز بأكثر من 400 في المائة بات سعر برميل الغاز المكافئة للنفط بنحو 200 دولار قياسا بسعر برميل النفط الذي كان دون سعر 70 دولاراً عند بداية أزمة الطاقة، مما حول الطلب على النفط نظراً لانخفاض سعره قياسا بالغاز، فتخطى سعر البرميل 85 دولاراً وباتت الترجيحات عديدة لوصوله لمستوى 100 دولار للبرميل كما قال الرئيس الروسي بوتين قبل أسبوعين إن 100 دولار للبرميل ممكن تماماً معتبراً أن المشكلة ليست في نقص إمدادات الغاز، بل في النقص في إنتاج الكهرباء كرد على اتهامات أوروبية لروسيا بخفض صادراتها من الغاز، حيث تزودهم روسيا بنحو 35 في المائة من احتياجهم.
لكن تصريحات وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان مثلت توصيفاً دقيقاً لمشهد أحوال سوق الطاقة العالمي، حيث توقع أن الطلب على النفط سيرتفع ما بين 500 إلى 600 برميل من المستخدمين الذين يتحولون من الغاز للنفط، بينما لفت النظر إلى عامل آخر له أهمية بالغة في تحديد توجهات أسعار النفط وهو الاستثمار بالطاقة التقليدية، حيث قال «إن ارتفاع أسعار الطاقة الآن ناتج عن الاستثمار المحدود في الهيدروكربونات وانخفاض المخزونات وتعافي الطلب بعد جائحة كورونا» وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذا النوع من الطاقة يبقى اكثر موثوقية في تلبية احتياجات العالم من الطاقات الأخرى المتذبذبة، بحكم عوامل الطقس وأيضا بعض المخاطر المختلفة كالتي تقع أحيانا من الطاقة النووية، كما اعتبر وزير الطاقة، أن الاستثمار المنخفض في الهيدروكربونات يؤثر في أسعار النفط، مؤكدا أن السعودية كانت دوما مصدرا للاستقرار في سوق النفط، والحقيقة أن المملكة ومن تجارب تاريخية عديدة أثبتت انها صمام الأمان لإمدادات النفط والشواهد كثيرة، فالأزمات التي واجهت دول رئيسة في إنتاج النفط كان للمملكة الدور الأبرز في تعويض نقص الامدادات عالمياً من خلال إستراتيجيتها في الاستثمار بصناعة النفط فهي دولة ذات موثوقية عالية في أسواق النفط وإمداداته، كما أوضح الأمير عبدالعزيز بن سلمان في تصريحاته التي نقلتها وكالة رويترز أن العالم بحاجة للاهتمام بجدية بتأمين الإمدادات. وأضاف أن العالم سيظل بحاجة للوقود الأحفوري وأن مخزونات البنزين والغاز منخفضة، وهي إشارة مهمة توضح جانباً من مستقبل اعتماد العالم على الوقود الأحفوري كمصدر رئيس لإمدادات الطاقة.
ما يمكن استخلاصه مما يحدث في أسواق الطاقة عالمياً ولدى الدول العظمى أكبر مستهلكي الطاقة في العالم أن هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل توجههم السريع لطاقات غير مستقرة ومحاولاتهم الحثيثة لخفض استهلاك الوقود الأحفوري ظهر الخلل فيها مع ما خلفته أزمة كورونا بعد عودة التعافي من آثارها الاقتصادية من خلل بمزيج الطاقة لديهم وكأنها كانت المحاسب العظيم ومع توقع شتاء بارد تتسارع خطواتهم لتخزين الغاز وهو ما يرفع أسعاره أكثر وسيتوجهون للنفط لخفض التكلفة مما يتسبب بارتفاع الطلب والأسعار عليه فالكرة في ملعبهم ليكونوا متوازنين في ضغوطهم التي يقومون بها لسن تشريعات تتعلق بمعالجة المشاكل المناخية من زاوية ضيقة نسبياً موجهة للوقود الأحفوري وهم أول من يدفع الثمن لمشكلة صنعوها بأيديهم أدت لخفض الاستثمارات بالوقود الأحفوري من شركاتهم النفطية العملاقة وأصبحوا أمام ضرورة التعامل بواقعية ومعالجة المشاكل البيئية والمناخية بعدالة وتوازن منطقي تواعي مصالح الجميع، فهناك مصادر تلوث كبرى لا علاقة للنفط والغاز بها تصدر من دولهم ومصانعهم ومزارعهم تفوق بأضعاف أي انبعاثات كربونية من الطاقة التقليدية.