د.فيصل بن عبدالله السويدي
تعد الكاريزما التي تختزل صفات القائد من أبجديات القيادة، فقد بُحثت كثيراً في أدبياتها ومظانها، إذ كانت موطن إثارة للجدل، فلا غرو في ذلك فهي تمنح القائد جاذبية آسرة، وقوة خفية مؤثرة في الأفراد، كاسبة للإعجاب، وملفتة للأنظار، ولكن هل يتقمص القائد الناشئ كاريزما القادة الناجحين أم أن هناك عوامل أخرى تمنحه سلوكاً احترافياً في ممارسة القيادة؟
أحسب أن الإجابة هي مثار جدل أزلي بين جمع من المتخصصين في علم القيادة الذين تقصوا كاريزما القائد واختزلوها في كوكبة من الخصائص، وجعلوها معياراً للقائد الناجح ومقياساً لمعرفة مدى تمكن الفرد من القيادة، ومن أبرز أولئك وارين بينيز في كتابه (عندما تصبح قائدًا)، وبيرت نانوس في كتابه (ميزة القائد)، وديبورا انكونا وزملاؤها (في مديح القائد غير الكامل) وغيرهم الكثير.
وقد حشدوا في دراساتهم العلمية كوكبة من السمات المختزلة للكاريزما الآسرة، وتمحورت بين الرؤية المرشدة، والمهارة في التعامل، والذكاء، والمصداقية العالية. وانبثق عن هذه الدراسات مراكز علمية مهتمة ببرامج لتطوير القادة، ولكن فكرة الكاريزما لم تلبث طويلاً فقد أثبت تطور البحث العلمي فشلها، فها هو بيل جورج تتبع الدراسات التي أجريت خلال الخمسين سنة الماضية والتي تهدف إلى تحديد الكاريزما التي تختزل صفات القادة الناجحين وسماتهم، وأثمرت النتيجة إلى فشل تلك الدراسات كافة في الاتفاق على تحديد سمات واضحة للقائد الفعال المثالي، وهذا ما أكده الأب الروحي للقيادة بيتر دراكر خلال تجربته الطويلة إبان عمله مستشاراً في منظمات عدة عمل فيها مع قادة مختلفي السمات وغريبي الأطوار، منهم الانزوائيون، والاجتماعيون، والمتسامحون والصارمون، والمتهورون في قراراتهم والمتأنون، ورغم هذه الازدواجيات في السمات إلا أنهم كانوا متميزين في أدائهم ومنتجين في منظماتهم، ومؤثرين في محيطهم الوظيفي.
من هنا أخلص إلى أن بعض الأدبيات والدراسات التي حددت صفات القائد الناجح واختزلتها في كاريزما، قد يعتريها القصور وتفتقر للدقة لسببين:
أولاً: الفشل في عدم استدامة الفرد على التخلق بصفات ليست له، فسرعان ما تنكشف الأقنعة، وتتبدل تلك الصفات عندما تكون على المحك الحقيقي، والشاعر العربي يقول:
وَأَسرَعُ مَفعولٍ فَعَلتَ تَغَيُّراً
تَكَلُّفُ شَيءٍ في طِباعِكَ ضِدُّهُ
ثانيًا: عندما يتقمصُ الفرد صفات القادة الناجحين ستجعل منه صورة مكررةً من غيره، ولن يكون له بصمة ًواضحةً تعكس قيمه الأصيلة التي تلامس روح القيادة فتمنحه حق التميز.
لكن ثمةَ عوامل تُحلِق بالقادة الناشئين في فضاءات الحرية لتصنع لهم كاريزما أصيلة تحررهم من تتبع خطى القادة الآخرين، والانغماس في ذواتهم، وتقمص أدوارهم، وتمنحهم أسلوباً يتقن التعامل مع كل موقف بسلوك احترافي وذكاء عاطفي، ومن أهم هذه العوامل هي:
تطوير الذات: إن تطوير الذات ينطلق من الوعي بها، ومعرفة المشاعر والعواطف، وأسباب انفعالاتها وإدراك مواطن القوة لتعزيزها، ومواطن الضعف لتقويتها؛ قال غازي القصيبي: (إن معرفة نواحي الضعف هي الخطوة الأولى نحو بناء القوة)، وأن يكون متواضعًا للنصائح التي تسدى إليه من الآخرين؛ فقد يكون في حياتك نقاط شديدة السواد لم ترها عيناك فاقبلها من الآخرين ولتكن وسيلة لتطوير الذات لا لجلدها.
الانضباط الذاتي: فالفرد المتطلع للقيادة لديه رؤى وأهداف وتطلعات، وهذه لا يمكن أن تلامس الواقع ما لم يكن الفرد مسيطراً على زمام عقله وأفكاره ومشاعره وعواطفه، فهو يتخذ قرارات تدنو به إلى أهدافه التي يصبو إليها وإن تعارضت مع أهوائه الشخصية أو حظوظه الذاتية، وهذا يدل على التمكن من قيادة الذات التي هي طريق نحو قيادة الآخرين.
خلق علاقة متوازنة: الإنسان مدني بطبعه، حيث يصعب عليه أن يعيش في عزلة منطوياً عن الآخرين فلا مناص من العلاقات الإنسانية وتلك العلاقة تلقي بظلالها على تشكيل نمط الشخصية وصياغة الحياة، فكلما كان انتقاء الفرد للصحبة منسجماً مع طموحه وأهدافه وتطلعاته كان ذلك أدعى لانقداح جذوة القيادة في ذاته، فالأصحاب الموهوبون مشاعل يستنير بها الفرد في اتخاذ القرارات، وتشخيص الأزمات والمشاكل ويستلهم منهم النصائح والتوجيهات، وهذا العامل مؤثر في تكوين شخصيتين بارزتين في عالم القيادة هما جاك ويلش ومولكاهي.
وأختم بعد هذا بكلمة آن فودج قائلاً: (كل واحد منا يملك جذوة القيادة ولكن التحدي الذي نواجهه هو أن نفهم أنفسنا فهمًا جيداً لمعرفة أين يمكن أن نستخدم موهبة القيادة لخدمة الآخرين).