عبدالوهاب الفايز
في مقال الأسبوع الماضي، ولتفعيل العديد من الاستراتيجيات والمبادرات الحكومية والأهلية الموجهة لخدمة ورعاية كبار السن، بالذات ما ورد في عدد من مستهدفات برامج (رؤية المملكة 2030)، اقترحنا إنشاء (هيئة وطنية لكبار السن)، تتخصص وتتفرغ لاستثمار الجهود الحكومية والأهلية والخاصة التي تستهدف تحسين خدمات ورعاية كبار السن، فهذه - ولله الحمد - تتوسع عبر تقديم المبادرات المختلفة في مجالات الرعاية الصحية المنزلية، وتتجه للتوسع في إنشاء دور الرعاية الاجتماعية والنفسية، والأندية الترفيهية والثقافية، إضافة إلى تطوير التشريعات والبيئة العمرانية لتكون خادمة وصديقة للكبار. هذه الجهود ضرورية حتى نعوض النقص الكبير في خدمة شريحة سكانية رئيسية.
الآن بيدنا - إذا نحن جادون لبناء مشروع وطني شامل لكبار السن - إنشاء مدينة الخدمات الإنسانية والاجتماعية والصحية في المقر الحالي لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية على الطريق الدائري الشرقي في الرياض. طبعاً الأفضل أن نتبنى نموذج عمل (الاستثمار الاجتماعي) لإنشاء هذه المدينة، حتى نضمن الاستدامة المالية واستدامة الأثر الإنساني والاجتماعي. والحكومة عبر برنامج التخصيص تتجه لدعم نموذج الاستثمار الاجتماعي، وهذه فرصة لبناء (نموذج سعودي ضخم في المجال الإنساني والاجتماعي).
مساحة الأرض وموقعها مثاليان لمثل هذا المشروع، فهي قريبة من المدن الطبية الرئيسية، ومن حديقة الملك سلمان، ومن مطار الملك خالد ومحطة القطار، ومن الجامعات الرئيسية. كل هذه عوامل نجاح سريعة لإطلاق العديد من المشاريع.
أيضاً المقر الحالي يضم المنشآت القابلة للتحويل إلى الأنشطة والخدمات التي يحتاجها الكبار. المبنى كما نعرف كان مقر جامعة الرياض للبنات سابقاً، وهناك عشرة مبان كبرى قابلة للتعديل السريع لاستيعاب الاحتياجات الملحة مثل خدمات كبار السن السريرية طويلة المدى. الآن المستشفيات المتخصصة بهذه الخدمة التي يقيمها القطاع الخاص تبدأ العمل بطاقتها السريرية الكاملة منذ الأسبوع الأول.
الخدمات الاستثمارية الصحية المقدمة لكبار السن أصبحت - مع الأسف الشديد - تتصدر المجالات المربحة، والخدمات المساندة مثل تأجير خدمات التمريض المنزلية وصل متوسط سعرها إلى 8 آلاف شهرياً للممرض أو الممرضة! وهذا مرهق ومكلف للأسر التي لديها كبار سن يحتاجون الرعاية الطبية، فالخدمة تستنزف مواردهم المالية بعد تعذر وجود الخيارات المقبولة والمريحة مالياً، وحتى وزارة الصحة أصبحت توفر الخدمة الصحية المنزلية بحدها الأدنى.. وفجوة الاحتياجات كبيرة.
المقر الحالي بالإضافة إلى المباني القائمة تتوفر فيه مساحات أراض كبيرة ويساعد لإقامة مقرات لخدمات عديدة مثل:
أولاً: المقر يتيح إنشاء معهد متخصص برعاية كبار السن صحيًا واجتماعيًا، بالذات الدبلومات المتوسطة (عام ـ عام ونصف العام)، فالطلاب داخل المدينة سوف يجدون الفرصة للتعلم والتدريب.
ثانيًا: المباني الموجودة في المقر قابلة للتحول لتكون مبنى لمستشفى الإقامة الطويلة لكبار السن ممن يحتاجون الرعاية السريرية الخفيفة. وهذه عليها طلب كبير من جميع مناطق المملكة.
ثالثًا: إقامة أبراج متعددة الأغراض، مثل برج لمنتجع علاجي استثماري، وبرج سكني للعاملين في المدينة، وبرج فندقي.
رابعًا: إقامة نواد اجتماعية ترفيهية يلتقي فيها كبار السن، وتكون مزودة بالخدمات التي تتيح الأنشطة الرياضية الخفيفة وتتيح المكان للقاءات الدورية الضرورية للكبار.
خامسًا: المقر يتيح إنشاء مركز يقدم أنواعًا مختلفة من خدمات الرعاية النهارية لتكون متاحة أثناء ساعات العمل العادية مثل الأنشطة الترفيهية والاجتماعية والطبية، وخدمات هذه المراكز عادة تؤخر الحاجة للانتقال إلى مرفق رعاية طويل الأمد، ويمكن أن توفر لأفراد العائلة المرافقين للكبار فترة راحة.
سادسًا: المقر يتيح إنشاء مساحات خضراء وممرات للمشي ولأنشطة الحركة البدنية المناسبة لكبار السن.
سابعًا: المقر يوفر إنشاء سكن مناسب ملائم ودائم لكبار السن.
ثامنًا: يتيح الفرصة لتقديم خدمات نوعية متحركة مثل حافلة كبار السن، وغيرها.
طبعًا هذه مجرد أمثلة للأنشطة التي يمكن أن يحتويها هذا المقر الكبير، فالمختصون بتصميم وبناء المنشآت الكبيرة متعددة الأغراض والوظائف المخصصة لكبار السن بالتأكيد لديهم ما يرونه مناسبًا. نحن يهمنا المبادرة وعدم تأخير استثمار الفرص المتاحة، والتي بأيدينا سرعة الحركة والمبادرة لتحقيقها، والأهم لدينا تجارب ناجحة فيها. الخدمات الإنسانية والترفيهية لكبار السن بدأنا نواتها منذ ثلاثة عقود بـ(مركز الملك سلمان الاجتماعي) كإحدى الهيئات غير الربحية في المملكة، وكان يوم إطلاقه مبادرة رائدة ونقلة نوعية في مفهوم الخدمة الاجتماعية لكبار السن.
بعض ما نتطلع إليه يقدمه المركز حاليًا، فلديه العديد من البرامج والأنشطة. من أهمها رعاية فئة الكبار عبر توفير خدمات وأنشطة اجتماعية وثقافية وصحية ورياضية وخيرية، ومساندة الأسر في رعاية كبارها واستثمار أوقات الفراغ لديهم، والمحافظة على التواصل بين كبار السن ومحيطهم الأسري والاجتماعي.
ولكن المركز يحتاج برامج الرعاية والتأهيل الحديثة حتى تكتمل تجربته وخبرته التي بناها في العقود الماضية. أفضل إليه لتطوير تجربته ربما تتم عبر (مدينه إنسانية متكاملة الخدمات)، ونتمنى أن يكون هذا المشروع الضخم تحت مظلة جديدة هي (مدينة الملك سلمان للخدمات الإنسانية والاجتماعية). خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - رائد العمل الخيري والإنساني، وقاد العمل الاجتماعي والإنساني في مجالات عديدة، وفرصة أن نرى صورة حية منها تحت مظلة مدينة واحدة تحمل اسمه تقديرًا وعرفانًا لدوره القيادي في بناء النماذج الخيرية الناجحة في بلادنا.