د. محمد عبدالله الخازم
الأكاديميون متهمون بأنه تحكمهم الأنانية والفردانية حين يتعلّق الأمر بتخصصاتهم وكلياتهم وأقسامهم وأبحاثهم، يعزِّز ذلك طبيعة الأنظمة الأكاديمية وضعف القيادات الجامعية ذات العلاقة. كمثال لتلك الأنانية يبرز عدم تعاونهم أو رغبتهم في العمل معاً، فتجد الجامعات تعيش في داخلها كيانات تُسمى الكليات والأقسام والمراكز لا تتعاون معاً بالشكل الكافي. للتغلب على ذلك تتخذ بعض الجامعات الغربية إستراتيجيات مثل تبني ما يُعرف بالتعليم المتداخل بين التخصصات والأقسام وتعيين عضو هيئة التدريس بأكثر من كلية وقسم وعدم احتكاره بقسم واحد، بل وذهب البعض إلى فكرة تفكيك سلطة الأقسام الأكاديمية وغرس بدلاً منها البرامج التي تأخذ في الحسبان التخصص أو المجال بغض النظر عن مرجعية القسم والكلية. الأمر ليس سهلاً لأن أحد مبادئ العمل في الجامعات منح عضو هيئة التدريس قوة ذاتية ومنح الوحدة الأكاديمية مثل القسم والكلية سلطة كبرى في اتخاذ قراراتها، عبر وسائل تشاوريه والنجاح في إصلاح هذا الوضع يتطلب دوافع كبرى تقودها قيادات ذات رؤية اقتصادية وأكاديمية وإبداعية مختلفة.
سأختار هنا مادة، كمثال لتوضح الفكرة؛ في مجالات العلوم والتخصصات الصحية هناك مادة تُسمى الكيمياء الحيوية - يمكن القياس عليها مواد وتخصصات أخرى- تدرس بأقسام المختبرات والتغذية والكيمياء والعقاقير وبكليات الصيدلة والطب والعلوم الطبية والسنوات التحضيرية، كما أنها توجد بمراكز الأبحاث ومختبرات المستشفيات ومراكز السموم ... إلخ. تصوروا كل قسم أو مركز لديه أساتذته في هذا المجال ومعامله وأقسامه ومواده الدراسية، وكل منهم يعين أساتذته ويقرر مواده التدريسية ويعمل بمعزل عن الآخر، حتى داخل الكلية الواحدة. بمعنى آخر قد تجد في الجامعة عشرين أو ثلاثين أستاذاً في مجال الكيمياء الحيوية، لكن كل اثنين أو ثلاثة في قسم يعملون بمعزل عن غيرهم ولهم معاملهم التي يستفاد منها في مادة أو مواد قليلة جداً وبقية الوقت هي غير مشغولة. وتجد أن أبحاثهم متواضعة رغم القوة البشرية والمادية الموجودة في الجامعة لكنها متناثرة في الجامعة. البحث يقوى بوجود كفاءات تعمل معاً وفي مراكز كبرى وليس كفاءات تعمل بشكل فردي في معامل متواضعة في أركان الكليات..
لو قدمت هذه المعطيات لأية تنفيذي في شركة أعمال كبرى، لأعتبره هدراً يتطلب إعادة الهيكلة، لكن في الجامعات يرون الأمر طبيعي! بل إنهم يبذلون الجهد ويبذلون قصارى الجهد إدارياً وفنياً لغرض زيادة عدد الأقسام والمعامل والكليات، ويذهبون إلى إيجاد مواد فرعية ومسارات بحثية دقيقة لكل مادة لتزداد أهميتهم الفردية. وتكون المقاومات شرسة ضد أي تغيير وكل كلية أو قسم يرفض من ينتمي لكلية أو قسم آخر ... إلخ.
بعض الحلول أوضحت مفاتيحها أعلاه، وأدعو إلى معالجة إدارية أكاديمية تكسر هذه الحواجز بين الكليات والمراكز والأقسام والمعامل الأكاديمية والبحثية في الجامعة الواحدة. هذه الحواجز لست أراها في المباني والمسميات والمناصب فقط، بل في الفكر والنظام والإدارة وثقافة العمل الأكاديمي والبحثي.