د. تنيضب الفايدي
الشعر وعاء اللغة ومستودعها، فله دور كبير في حفظ اللغة العربية، ولا ريب أن الشعر العربي تأثر ببلاغة القرآن الكريم فازدهر بتأثيره خاصة في معركة الإسلام مع المشركين، فمن يقرأ شعر الشعراء المخضرمين يجد أنه يصدر عن قيم الإسلام الروحية وفي مقدمتهم شاعر الرسول حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وغيرهم، يقول أبو الدرداء:
يريد المرء أن يؤتى مناه
ويأبى الله إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي
وتقوى الله أفضل ما استفادا
ويقول كعب بن زهير:
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني
سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها
والنفس واحدة والهم منتشر
والمرء ما عاش محدود له أمل
لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر
وشعر الحماسة كان أكثر تأثراً بالقرآن الكريم والإسلام لارتباطه بالجهاد، كما حوّل بعضهم هذا اللون إلى مواعظ خاصة كقول نصر بن يسار:
دع عنك دنيا وأهلا أنت تاركهم
ما خير دنيا وأهل لا يدومونا
وآثر تقى الله في الإسراء مجتهدا
إن التقى خيره ما كان مكنونا
وامنح جهادك من لم يرج آخرة
وكن عدواً لقوم لا يصلونا
فاقتلهم غضبا لله منتصراً
منهم به ودع المرتاب مفتونا
كما أن القرآن نبذ العصبية القبلية من الشعر التي كانت موجودة قبل الإسلام، وتحول إلى العقيدة وتوحيد الله والأخلاق الكريمة والأعمال الفاضلة، فهذا الشاعر النابغة الجعدي يعدّد بعض أسماء الله، ويذكر آية مراحل خلق الإنسان في قوله تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} سورة المؤمنون الآية (12-14)، حيث يقول:
الحمد لله لا شريك له
من لم يقلها فنفسه ظلما
المولج الليل في النهار وفي
الليل نهارا يفرج الظلما
الخافض الرافع السماء على ال
أرض ولم يبق تحتها دعما
الخالق البارىء المصور في ال
أرحام ماء حتى يصير دما
من نطفة قدها مقدرها
يخلق من الأبشار والنسما
ثم عظاما أقامها عصب
ثمت لحما كساه فالتأما
ثم لابد أن سيجمعكم
والله جهرا شهادة قسما
كما أن كثيراً من الشعراء يستشهدون بجزء من الآيات في أشعارهم. قال ابن طاهر التميمي البغدادي مقتبساً قوله تعالى في سورة الأنفال: {إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} آية رقم 38
يامن عدا ثم اعتدى ثم اقترف
ثم انتهى ثم ارعوى ثم اعترف
أبشر بقول الله في آياته
«إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف
وقال أبو جعفر الألبيري البصير مضمناً قوله تعالى في سورة الأعراف: (وأملي لهم إن كيدي متين ). آية رقم 182
إذا ظلم المرء فاصبر له
فبالقرب يقطع منه الوتين
فقد قال ربك وهو القوى
«وأملي لهم إن كيدي متين»
وقال شهاب الدين بن حجر العسقلاني مضمناً قوله تعالى في سورة النساء (حتى يخوضوا في حديث غيره ) آية رقم 140.
خاض العواذل في حديث مدامعي
لما رأوا كالبحر سرعة سيره
فحبسته لأصون سر هواكم
«حتى يخوضوا في حديث غيره»
وقال آخر مقتبساً معنى قوله تعالى في سورة آل عمران: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}. آية رقم 140
فيوم علينا ويوم لنا
ويوم نُساءُ ويوم نسر
وقال آخر بمعناه:
ومن عادة الأيام إن صروفها
إذا ساء منها جانب سر جانب