د. محمد بن إبراهيم الملحم
عند ذكر «التدريس» فأول ما يتبادر إلى الذهن مهارة الإلقاء وحسن إقناع المستمع والقدرة على تبسيط المفاهيم وهذا حق، ولكن التدريس ومهنة المعلم تتضمن أبعادا أكبر من ذلك وتتطلب مهارات أشمل لا يلقي لها كثير من الناس بالاً بينما هي من أوليات المهنة فهناك مثلا التخطيط، فالمعلم يحتاج إلى أن يرسم خطة لمقرره الدراسي عبر كامل الفترة التدريسية (الفصل الدراسي) كما أنه يرسم خطة لكل حصة أو ربما لكل موضوع إذا كان يحتاج عدة حصص لطوله وتشعبه، وكذلك يرسم خطة لكل طالب خاصة أولئك الذين يعانون مشكلات تعلم ويحتاجون دعمه العلمي ورعايته، ويشتد هذا الأمر في حال كان الطلاب أصغر سنا (الصفوف المبكرة في المراحل التعليمية)، كما أن المعلم مطالب بمعرفة أساليب عمل كثير من الأدوات والوسائل التعليمية الإيضاحية، فمثلا في عالم اليوم لا يجوز لمعلم أن يقول أنا لا أعرف أن اشغل البروجكتور مثلا الذي يفترض أن يشيع استخدامه في أغلب المدارس، وأعلم أن هناك كثيرين فعلا لا يعرفون التعامل معه، ولكني أؤكد أن هذا ينبغي أن يكون من أوليات مهارات المعلم أو مهارات التدريس، وينبغي أن نصل إلى مرحلة إن مثل هذا الواقع يشبه قولنا إن معلما ما لا يجيد استخدام السبورة مثلا، أو قولنا عن أي شخص إنه لا يجيد استخدام الجوال.
المعلم ينبغي له أن يجيد مهارات اللغة التي يدرس يها مهما كان تخصصه، فلا يجوز أن يكتب أمام الطلاب على السبورة بخط رديء أو بأخطاء إملائية مكشوفة فكل ذلك يؤصل لدى الطلاب الضعف في أهم ما قدمته لهم االمدرسة كما أنه يقلل من قيمة المعلم وجاذبيته الشخصية لطلابه، أضيف أيضا أن المعلم كالممثل على المسرح يحتاج أن يدرب نفسه على شكل قسمات وجهه كيف تبدو فيحرص أن يكون متبسما طلق الوجه لطلابه فإن اكتشف أنه خلاف ذلك يدرب نفسه أمام المرآة ما الذي ينبغي له فعله ليبدو تعبيره أفضل وأكثر قبولا لدى مشاهديه يوميا، وهو ما يفعله الممثل أو المقدم التلفزيوني ليحسن من طلته على من يشاهدونه يوميا في برنامجه التلفزيوني.
وينبغي للمعلم أن يتمكن من تقديم المعلومة مجزأة في وجبات خفيفة وسريعة حتى لا يمل الطالب الذي لم يتعود على الإسهاب كحال الجيل الذي سبقه، وهذا يعني تصرف المعلم في تقسيمات المنهج بطريقة ذكية ضمن وقت حصته الطويل نسبيا على طالب اليوم، كما يحتاج المعلم أن يلم بمصادر الإنترنت ليفيد منها ويستجلب ما يفيد طلابه ويسهل تعلمهم، وفي هذا السبيل لا بد أن تكون شخصية المعلم العلمية قوية بما فيه الكفاية للتأكد والتحقق من صحة المعلومات التي يعثر عليها في الإنترنت، فمهما كانت طريقة التقديم التي تطرحها بعض المواقع جميلة وميسرة للفهم إلا أنها أحيانا تتضمن معلومات خاطئة علميا أو تتناقض ظاهريا مع ما يقدمه المنهج الدراسي، فما لم يتمكن المعلم علميا من استكشاف هذه العلل فإنه لا يكون صالحا لتصفح الإنترنت ليستجلب منها المصادر وهذا نقص كبير.
وفي دنيا اليوم أيضا حيث تشعبت مشارب الناس وتنوعت اهتماماتهم ينبغي للمعلم أن يواكب كل جديد ويفهم العالم المحيط بالطالب فيجب مثلا أن يكون عارفا بوسائل التواصل الاجتماعي وكذلك بمشكلات مهددات التقنية مثل أمن المعلومات وأضرار الاستخدام المفرط للجوال والانترنت، فالجهل بهذه الجوانب يقدح في كاريزما المعلم وقوته الشخصية في التأثير في طلابه إذ يعلمون بتفوقهم عليه جدا في هذه الأمور!
نلاحظ إذن أن المعلم الحق سيحتاج إلى كثير من المهارات لتتكامل شخصيته، وكل ذلك طبعا إذا توافرت لديه مهارات التقديم والإلقاء والإقناع والتبسيط التي هي أساس مهنته، وهذه وحدها تحتاج إلى مشروع كامل لتطويرها لدى المعلم، ولكن مع ذلك فإن بقية المهارات والتي ذكرت أمثلة مهمة عنها (وهناك أكثر) لها أهميتها التي توازي في قيمتها (مجتمعة) مهارة الإلقاء والتقديم.
** **
- مدير عام تعليم سابقا