لقد أصبح الإعلان صناعة تقوم على أسس فنية وعلمية، وتعمل فيها فرق متعدِّدة الاختصاصات.
حيث تقوم جماعة من الخبراء بإطلاق العنان لخيال أعضائها كي تولّد الأفكار الأكثر طرافة وجِدّة، وإمكانية تأثير ونفاذ، أو خروج عن المألوف، كي تُصاغ في إعلانات مشغولة عن مختلف السلع.
ومن ثم، تكتسب السلعة (موضوع الإعلان) قيمة استهلاكية وخيالية ووجدانية ليست لها بالأصل. فالبيبسي تركز على مرح الشباب وجمال الصورة واللون وإرواء العطش، حتى صارت تعتبر مشروب الشباب.
والعطورات ومساحيق الجمال أصبحت ترتبط بالحسناوات وملكات الجمال. وأما أغذية الأطفال فإنها ترتبط بالطفل المدهش جمالاً وصحة وسعادة.
وهكذا تقوم سياسة الإعلان على بيع الأحلام، ودغدغة المشاعر وإثارة الرغبات من خلال مختلف أشكال الربط ما بين السلعة والصحة أو الجمال أو الجاه أو الشباب.
والإعلان ابنٌ لاقتصاد السوق، فهو إعلان استهلاكي. ندر أن وجدنا إعلانات عن الأداء أو الإنتاج. وإذا أغرق المشاهد بالإعلانات الاستهلاكية، فإننا سنكون أمام صناعة ثقافة الاستهلاك ليس إلا. الاستهلاك يصبح، إذن هو القيمة وهو المرجع والموجّه.
ولكن، ماذا بخصوص من لا يملكون القدرة على الاستهلاك؟ كيف سيمارسون حقهم في الاختيار إذاً؟ إنها أسئلة تظل مطروحة على الساحة في حاجة ملحة لإجابات مقنعة.
والحقيقة، فليس هناك من حالة تعبِّر عن ثقافة السوق بقدر الإعلانات التي تدعو إلى متعة الاستهلاك الآني. إننا بصدد الإثارة والمتعة، على الأقل إذا استعرضنا واقع الإعلان التجاري الذي يغمر الثقافة المرئية.
لقد سيطر الإعلام المرئي على الثقافة وسيطر الإعلان على الإعلام.
إن المشكلة ليست في الإعلان بحد ذاته بل في توجهاته والقيم الاستهلاكية التي يروِّجها.
والمشكلة أن العالم العربي، كالعالم الثالث يستهلك هذه الثقافة الجديدة عن طريق الاستيراد أساساً نظراً لفقر إمكاناته في مجال الإنتاج.
إننا لا ندعو إلى حظر التسلية والترويج والمتعة وبهجة الحياة، بل ندعو إلى بذلك الجهد للاستفادة من الفرص التي توفرها تقنية الإعلام للارتقاء بنوعية الحياة في العمل والجهد التدريب والتأهيل، كما في الانتماء والتسلية والترفية والتثقيف.