شروق عبدالله الثميري
يُذكر أن لغة العرب أفضل اللغات وأوسعها؛ ودليل ذلك وصفها بالبيان في أكثر من موضع في القرآن وهو أبلغ ما يوصف به الكلام. وقد أكد السيوطي في المزهر على أن البيان خاص باللسان العربي؛ فهو لا يعني الإفهام عن المراد فحسب، بل يرجع إلى كثرة المفردات التي تعبر عن الشيء الواحد فيقول: «وإن أردت أن سائر اللغات تُبِين إبانة العربية فهذا غلط؛ لأننا لو احتجنا إلى أن نعبر عن السيف وأوصافه باللغة الفارسية لما أمكننا ذلك إلا باسم واحد، ونحن نذكر للسيف بالعربية صفات كثيرة، وكذلك الأسد والفرس وغيرهما من الأشياء بالأسماء المترادفة، فأين هذا من ذاك، وأين لسائر اللغات من السعة ما للغة العرب؟».
* حظيت قضية الترادف بالاهتمام منذ أن شرع اللغويون الأوائل في جمع اللغة والنظر في ألفاظ القرآن وتفسيرها، فمنهم من أثبت وجوده، ومنهم من أنكر التطابق التام في معنى الكلمات؛ فقد تكون صفات متباينة، كما عُلل لاختلاف المعاني باختلاف الأسماء بأنه إذا أشير إلى الشيء مرة واحدة فعرف فالإشارة إليه ثانية وثالثة غير مفيدة. ومهما يكن، فإنه لا مناص من الإقرار بوجود الترادف بوصفه ظاهرة لغوية عامة مع الاحتراز من الزعم بأن الألفاظ المترادفة متطابقة المعنى في جميع الحالات؛ إذ لا بد من فروق تجعل كل لفظ يستقل بجانب من الجوانب المختلفة للمدلول الواحد.
* تفتح هذه المسألة مجالاً لتدبر ألفاظ القرآن؛ إذ لا لفظ فيه يقوم مقام الآخر، فهناك فرق بين العام والسنة والحول، والريب والشك، والسر والنجوى، وتلا وقرأ، وتبقي وتذر، ومن ذلك الفرق بين العمل والفعل، ففي حين يدل العمل على الدأب والمثابرة كقوله تعالى: {اعملوا صالحًا} المؤمنون:51، {اعملوا آل داود شكرًا} سبأ:13، يدل الفعل على سرعة الحدث كسرعة استجابة الصالحين لأمر ربهم: {يا أبت افعل ما تؤمر} الصافات:102، {والذين هم للزكاة فاعلون} المؤمنون:4.
* وفي المقابل، قد تدل الكلمة الواحدة على مدلولات عدة وتسمى المشترك اللفظي. وهو ظاهرة لا تقل أهمية عن الترادف، علاوة على أن له أثرًا في اتساع اللغة؛ إذ يلبي الحاجة المتجددة إلى معان تتولد باستمرار. ومن الملاحظ أن أهل اللغة يميلون إلى التعبير عن المعاني المتعددة بكلمة واحدة؛ لما في ذلك من اقتصاد في بذل الجهد. والحق إن مخزون اللغة اللفظي يبقى قاصرًا - مهما اتسع - عن الوفاء بمطالب التعبير، ولاسيما في مجال الأفكار المجردة؛ وبذلك تصبح الحاجة ماسة إلى استعمال آخر للكلمة، كما أن وجود كلمة خاصة بكل شيء من الأشياء التي يتداولها الناس يفرض على الذاكرة عبئًا ثقيلاً.
* والمشترك ظاهرة معجمية عامة؛ ودليل ذلك أن معظم مواد المعجم لا يستقل بمعنى واحد بل يشير إلى معان متعددة منها ما لا صلة له بالآخر. وتقدم الكلمات ثمنًا في مقابل هذه المزايا وهو الغموض، وهنا يأتي دور السياق في دفع الغموض الذي ينشأ عن المشترك.
* ويبدو أن ورود أمثلة من المشترك في القرآن دفع اللغويين والمفسرين ودارسي البلاغة إلى العناية به وعده واحدًا من وجوه الإعجاز. وألّفت فيه المصنفات، وضربت له العديد من الأمثلة، ككلمة (أمة) التي وردت بمعنى العصبة: {ومن ذريتنا أمة مسلمة} البقرة: 128، والملة: {كان الناس أمة واحدة} البقرة:213، والسنين: {ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة} هود: 8، {وادكر بعد أمة} يوسف: 45، والإمام: {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله} النحل: 120، والأمم الخالية: {ولكل أمة رسول} يونس: 47، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} آل عمران: 110، وخَلْق: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم} الأنعام: 38 . فتبارك الذي نزل أحسن الحديث!