تناولنا في المقالة السابقة شرحاً تفصيلياً للعلاقات التشابكية بين التغيرات المناخية والأهداف العالمية للتنمية المستدامة، وسوف نعرج في هذا المقال إلى تبيان الأثر السلبي للتغيرات المناخية على تحقيق بعض من هذه الأهداف.
التغيرات المناخية العالمية والقضاء على الجوع والفقر المدقع
يشكل كلٌّ من الفقر والجوع حلقتين متشابكتين، فالجوع يطيل أمد الفقر من خلال خفض إنتاجية الفرد، والفقر يحد من قدرة الفرد على الإنتاج ويحول دون حصوله على ما يحتاج إليه من غذاء. وبالنظر إلى إحصائيات انتشار الفقر في البلدان العربية وإلى ترابطها مع انتشار الجوع، تشير إحصاءات البنك الدولي إلى أن نسب الفقر (أقل من دولارين في اليوم) تفوق نسب الجوع والقصور الغذائي في كل من السودان وسوريا ولبنان ومصر والسعودية والكويت وموريتانيا، بينما تتساوى تقريباً معدلات الفقر والجوع في اليمن، وتزداد نسبة الجوع عن الفقر المدقع (أقل من دولار واحد في اليوم) في الأردن والجزائر والمغرب. (World Bank, 2015a).
الفقر قضية خطيرة تؤثر على ملايين الأشخاص. ففي عام 1990، كان هناك حوالي 35 في المئة من الناس يعيشون في فقر، أي ما يقرب من 1.8 مليار شخص. كان هناك أكثر من 700 مليون شخص (10 في المئة من سكان العالم)، يعيشون في فقر مدقع، مما يعني أنهم يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية. واليوم وفي عام 2020، هناك ما يقرب من نصف سكان العالم يعيشون على أقل من 2.50 دولار في اليوم. هناك 1.3 مليار شخص إضافي يعيش على أقل من 1.25 دولار في اليوم. لقد قطعنا شوطًا طويلاً في الحد من انتشار الفقر حول العالم، إلا أن الكثيرين ما زالوا يعانون. الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولارا في اليوم يتركزون في الغالب في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. معظم فقراء العالم يعيشون ويسكنون المناطق الريفية. معدل الفقر في المناطق الريفية يبلغ 17.2 في المئة، وهو أعلى منه بثلاث مرات في المناطق الحضرية. 2021) (FFL,
وقد أبت التغيرات المناخية التي شهدها العالم طوال الثلاث عقود السابقة إلا أن تزيد من بؤس الفقراء. هذا ما خلص إليه تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC) والخاص بتقييم قدرة العالم على التأقلم والتكيف مع الآثار الحتمية لتغير المناخ. حيث أشار التقرير إلى أن هذه الآثار لن تكون موزعة بالتساوي وسوف يقع عبئها بشكل كبير على الفقراء والأشخاص الأقل قدرة على التكيف مع التغيرات المناخية.
وهو ذاته ما أشار إليه تقرير مجموعة خبراء البنك الدولي في مجالي الفقر وتغير المناخ، حيث أفاد التقرير بأن الجهود المبذولة التي تستهدف إنهاء الفقر المدقع، سوف تمتد لما بعد 2015 وسوف يتم إدراجها ضمن الأهداف التنموية حتى 2030، وأنها ستركز على مكافحة التغيرات المناخية والعمل على تحسين الظروف المعيشية للفئات الفقيرة والمعوزة. وسجل التقرير أن الفقراء الذين يعيشون حول خط الفقر، هم الأكثر عرضة للمخاطر الناجمة عن تغير المناخ، وأنهم «ليس لديهم إلا النزر اليسير للتكيف مع الصدمات المناخية أو التعافي من آثارها بسرعة، ويعيشون في أحوال كثيرة في الأراضي الأكثر عرضة للخطر بسبب رخص أسعارها، كالمنازل التي تقع على جوانب الأنهار التي تغمرها مياه الفيضانات والسيول أو على حواف التلال المعرضة للانهيارات الأرضية أو في الأراضي الزراعية التي لا تصلها مياه الشرب النظيفة».
وقد أدت تقلبات الطقس في العقد الماضي إلى مضاعفة الكوارث البيئية، والتي أثرت على حياة نحو 2 مليار شخص. تشير التقديرات إلى أنه في ظل ظروف ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى تعرض أكثر من مليار شخص للأضرار الناجمة عن الفيضانات و22 مليوناً سيخضعون للفيضانات الساحلية، و20 مليوناً سوف يكونون معرضين للجوع سنوياً.
كوارث الأعاصير والفيضانات والجفاف سوف تؤثر بشكل أكبر على الدول النامية
قدَّر البنك الدولي في عام 2015، أن تغير المناخ وحده يمكن أن يدفع أكثر من 100 مليون شخص إلى الفقر بحلول عام 2030. ووفقاً لتقديراتهم، فإن أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا (وهما منطقتان تعانيان بالفعل من بعض أسوأ أشكال الفقر في العالم) ستكونان الأكثر تضرراً، ويمكن أن تؤدي الأحداث المناخية الشديدة مثل الجفاف والفيضانات والعواصف الشديدة إلى شل المجتمعات التي تعاني من الفقر.
ومصر ليست ببعيدة عن ذلك، فمثل تلك التغيرات المناخية سوف تؤثر على الموارد الطبيعية المتاحة، خاصة على موردين أساسين تتميز مصر بالندرة النسبية فيهما، وهما موردا الأرض والمياه، الأمر الذي يؤدى إلى التأثير المباشر وبعيد المدى على قطاع الزراعة، وستؤثر تلك التغيرات المناخية على عرض الغذاء في العالم مما يقود إلى تصاعد أسعار الغذاء العالمية؛ الأمر الذي يؤدى إلى زيادة فاتورة الغذاء المصرية، وبالتالي زيادة ضغوط على الموازنة العامة للدولة، وانكشاف مصر غذائيا للمخاطر الخارجية، حيث تعتبر مصر مستوردا صافيا للغذاء.(Sherif, 2009)
تعتبر الزراعة المصرية ذات حساسية خاصة لتغيرات المناخ، حيث تتواجد في بيئة شبه قاحلة وتعتمد أساسا على مياه نهر النيل، وبالتالي سيكون قطاع الزراعة من أكثر القطاعات التي سوف تتأثر سلبيا بالتغيرات المناخية على النحو التالي:
- ارتفاع درجات الحرارة وتغير وتيرة ومواعيد الموجات الحارة والباردة سوف يؤدى بطبيعة الحال إلى نقص الإنتاجية الزراعية في بعض المحاصيل.
- تغير متوسط درجات الحرارة سوف يؤدى إلى عدم جودة الإنتاج الزراعي لبعض المحاصيل في مناطق كانت تجود فيها.
- زيادة درجات الحرارة سوف تؤدى إلى زيادة البخر ومن ثم زيادة استهلاك المياه.
- زيادة معدلات التصحر وبخاصة المناطق الزراعية الهامشية.
- تأثيرات اجتماعية واقتصادية كهجرة العمالة وانتشار الفقر في المناطق الزراعية الهامشية.
- تقدر الدراسات التي تمت في جامعة الإسكندرية أن ما بين 12 في المئة - 15 في المئة من مساحة الأراضي الزراعية عالية الجودة في منطقة الدلتا سوف تفقد نتيجة للغرق أو التملح مع ارتفاع منسوب سطح البحر بحوالي نصف متر فقط.
- وبالنظر في التأثيرات المناخية لارتفاع سطح البحر في مصر، فانه من المتوقع أن يكون هناك ارتفاع في سطح البحر المتوسط بحوالي متر واحد خلال القرن الحالي، وباعتبار أن السواحل الشمالية لمصر هي أكثر مناطق مصر انخفاضا، نجد أن المناطق المعرضة للغرق التي يجب أخذها في الاعتبار تغطى مساحة تتراوح بين 10 في المئة - 15 في المئة من الدلتا، هذا علاوة على تأثر الأراضي المزروعة في هذه المناطق والمناطق المجاورة لها بارتفاع منسوب المياه السطحية زيادة الأملاح في الماء والتربة (خالد حسن، 2015) .
- قام برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP بدراسة عامة لتأثير ارتفاع سطح البحر المتوقع على السواحل المصرية وتحديداً المناطق الأكثر احتمالا لخطر الغرق واتضح منها أن ارتفاع نصف متر في سطح البحر سوف يؤدى إلى غرق مساحة كبيرة من الأراضي الساحلية لدلتا نهر النيل إذا لم تتخذ الاحتياطات الوقائية اللازمة للحماية، وأن أكثر المناطق تأثراً هي مناطق محافظتي الإسكندرية والبحيرة وجنوب البرلس وجنوب المنزلة على البحر المتوسط.
إن التغيرات المناخية العالمية تقوض بالفعل الأمن الغذائي وتهدد قدرة العالم للقضاء على الجوع وتفاقم مظاهر الفقر المدقع العالمي. فعلى سبيل المثال:
- إن التغيرات المناخية الحادة والتي تلحق الضرر بمنازل الفقراء وأعمالهم غالبا ما تكون هي السبب الرئيسي وراء سقوطهم في براثن الفقر أو تعيق خروجهم من براثن الفقر. وقد أوضح مسح استقصائي للأسر المعيشية أجري على مدار 25 عاما بالهند، أن 44 في المئة من بين الذين سقطوا في براثن الفقر قد أوضحوا أن الظروف المناخية كانت السبب الرئيسي في ذلك، وأن 14 في المئة من الأسر المعيشية تمكنت من الفكاك من براثن الفقر، بينما 12 في المئة من الأسر المعيشية قد أصبحت أكثر فقراً.
- تؤدي باقي أعراض التغير المناخي مثل ذوبان الجليد وارتفاع منسوب سطح البحر إلى التأثير على الأراضي الزراعية. من جهة أخرى، فإن تزايد الطلب على اللحوم كغذاء للإنسان يواجه بصعوبات تهديد المناخ لهذه الثروة في ظل الإجهاد الحراري والأمراض التي تفتك بآلاف الحيوانات، إضافة إلى أن إنتاج اللحوم يتوقف على مدى وفرة الأراضي الزراعية لإنتاج الأعلاف وعلى وفرة المياه للشرب والسقاية، وهذه العوامل مرتبطة ومهددة بتداعيات التغير المناخي.
- تشير دراسة «تغير المناخ ونظم الغذاء: تقييم الانعكاسات والتداعيات الشاملة على الأمن الغذائي والتجارة العالمية»، والتي قام بإعدادها مجموعة من العلماء والاقتصاديين بمنظمة الأغذية والزراعة عام 2015 إلى أن الاحترار العالمي سيتمخض عن عواقب بعيدة المدى بالنسبة لمناطق وكيفية إنتاج الغذاء في العالم. كما سيؤدي أيضاً إلى إضعاف الخصائص الغذائية لبعض المحاصيل بما يؤثر سلباً على سياسات مكافحة الجوع والفقر وسيؤثر على التجارة العالمية للأغذية.
وتتوقع الدراسة أن يقل الإنتاج الزراعي في المناطق الأكثر دفئاً وجفافاً بالقرب من خط الاستواء. وتبرِز الدراسة أيضاً الآثار السلبية المحتملة لتغير المناخ من خلال تفاقم وانتشار ما يعرف باسم «الجوع المستتر أو المتخفي»، أي النقص المزمن في الفيتامينات والمعادن وانتشار البدانة.
- تغير المناخ العالمي يزيد من معدلات سوء التغذية ويساهم في زيادة نسبة الفقر. واحد من كل أربعة أشخاص لايزال يعاني سوء التغذية في إفريقيا جنوب الصحراء. وصل عدد الجياع في العالم حوالي 795 مليون نسمة. يواجه أكثر من مليون نسمة نقصا حادا في الأغذية في اريتريا وإثيوبيا، فقد انخفض إنتاج الحبوب في عام 2002 بما يقرب من 25 في المئة بسبب الجفاف، ويتطلب الأمر بصورة شبه دائمة إلى كميات كبيرة من المعونات الغذائية لمنع حدوث مجاعة.
- تنبأ الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC)، بانخفاض الإنتاج الغذائي في جنوب إفريقيا إلى النصف بحلول عام 2020 بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تزيد من ارتفاع درجات الحرارة وحدة الجفاف في القارة، وإلى تعرض بعض الدول الأفريقية إلى انخفاض إنتاج المحاصيل التي تعتمد على الأمطار بنحو 50 في المئة.
وبصفة عامة فمن المتوقع أن يتعرض الإنتاج الزراعي في الكثير من الدول الإفريقية لتهديد كبير بسبب التغيرات المناخية ما يؤثر سلبا على توافر الغذاء ويؤدي إلى حالة من الفقر الغذائي وسوء التغذية. كما يتوقع أن تزيد مساحة المناطق القاحلة وشبه القاحلة بنسبة تتراوح ما بين 5 في المئة - 8 في المئة بحلول عام 2080. كما يتوقع أيضاً أن يتعرض ما بين 75 - 250 مليون شخص لارتفاع الإجهاد المائي بسبب تغير المناخ عام 2020.
من الجدير الإشارة إلى أن أسباب ارتفاع معدلات الجوع العالمي لا تقتصر فقط على التغيرات المناخية، وإنما تمتد لتشمل الأثر الذي تلعبه الإضرابات السياسية والحروب الأهلية والأزمات الاقتصادية وانخفاض مستويات الدخول والنمو السكاني المطرد، والتي تضيف أبعادا أخرى للمشكلة والتي يعاني منها شخص واحد من بين كل ستة أفراد حول العالم، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.
أمامنا فترة زمنية قصيرة لتطبيق السياسات المتعلقة بتغير المناخ والحماية الاجتماعية التي يمكن أن تحد من آثار تغير المناخ وفي الوقت نفسه تحمي الفقراء. وسيؤدي عدم القيام بذلك إلى زيادة التكاليف والمخاطر على الجميع.
التغيرات المناخية العالمية وإتاحة التعليم الجيد للجميع
التعليم أمر بالغ الأهمية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية فهو يصقل المهارات ويزيد من فرص العمل ويساعد الناس على تحسين مستوياتهم المعيشية كما يدعم التعليم المساواة بين الجنسين. على الرغم من هذه الفوائد الحاسمة، لا يزال الوصول إلى التعليم يمثل تحدياً ولا سيما في الدول الأفقر في العالم. في عام 2016، كان هناك نحو 263 مليون طفل في سن الدراسة - أي طفل واحد من بين كل خمسة أطفال على مستوى العالم - خارج التعليم المدرسي. تأمل الأمم المتحدة - كجزء من أهداف التنمية المستدامة - أنه بحلول عام 2030، سيكمل جميع الأطفال في جميع أنحاء العالم التعليم الأساسي (الابتدائي والثانوي)، لكن تغير المناخ قد يجعل تحقيق ذلك أكثر صعوبة.
تشكل الفيضانات والأعاصير والسيول ونوبات الجفاف والارتفاع في درجات الحرارة ونسب الرطوبة والاحتباس الحراري وغيرها من مظاهر التغيرات المناخية الحادة تحديا غير مباشراً وتؤثر تأثيراً سلبياً على العملية التعليمية. وتتمثل أهم هذه التأثيرات السلبية في ضعف معدلات القيد وانخفاض نسب الحضور بالمدارس وضعف التحصيل العلمي وتكرار الرسوب الذي ينتهي عادة بالتسرب من التعليم.
يمكن أن تؤثر الظروف المناخية على العملية التعليمية للأطفال والنشء بعدة طرق مختلفة. بشكل أكثر توضيحاً، قد تؤدي الأحداث المناخية المتطرفة مثل الأعاصير المدارية إلى تدمير المباني المدرسية أو إتلافها، أو استخدامها لإيواء الأشخاص الذين نزحوا من منازلهم، الأمر الذي يجعل الأطفال غير قادرين مؤقتًا على الذهاب إلى المدرسة، وقد لا يعود بعض الأطفال إلى مدارسهم مجدداً.
الأسر الزراعية التي تعاني من خسائر في الدخل والأمن الغذائي بسبب الجفاف أو موجات الحرارة قد لا يكون لديها ما يكفي من المال لدفع الرسوم المدرسية، وقد تسحب أطفالها من المدرسة للمساعدة في كسب دخل إضافي.
خلال فترات الجفاف الشديدة، قد تتغيب الفتيات عن المدرسة لأنه يتعين عليهن السفر لمسافات أطول لجلب المياه أو قد يتم تزويجهن في سن مبكرة، والتي تتزامن غالباً مع ترك الدراسة والمدرسة. بالإضافة إلى ذلك، قد تهاجر عائلات بأكملها بحثًا عن الطعام والماء والعمل، مما يؤدي إلى إخراج أطفالهم من المدرسة.
يمكن أن تؤثر الظروف المناخية أيضاً على نتاج العملية التعليمية بطرق غير مباشرة. يمكن أن يؤثر الطقس القاسي الذي يحدث في فترات الحمل وأثناء الحياة المبكرة على تعليم الأطفال بعد سنوات، من خلال تشكيل نتائج الولادة وكذلك صحة الطفل وتغذيته. فترة ما قبل الولادة والسنوات القليلة الأولى من الحياة هي التي تتطور فيها الدماغ بسرعة أكبر، لذا فإن التغذية الكافية خلال هذه الفترة أمر بالغ الأهمية لرفاهية الأطفال. وجدت الدراسات أن كلا من انخفاض الوزن عند الولادة ونقص التغذية في مرحلة الطفولة المبكرة يرتبطان بضعف النمو الإدراكي وانخفاض في مستوى التحصيل التعليمي في وقت لاحق من الحياة (عند الوصول لسن التعليم) (Heather, 2019).
عادة ما يصاحب الكوارث المناخية تدمير للبنية التحتية التعليمية والذي يقضي على القدرات المحلية للحفاظ على واستمرار العملية التعليمية.
عادة ما يترتب على التغيرات المناخية انتشار المجاعات وتشرد العديد من الأسر، انتشار ظاهرة اللجوء البيئي (انعدام السكن والمأوي الدائمين). عادة ما تكون الأسر الأقل قدرة على إعادة تأسيس حياتهم هي ذاتها الأسر الأقل قدرة على تأمين التعليم لأطفالهم، وعليه تتقوض فرص أطفالهم في الذهاب إلى المدارس والحصول على التعليم. تشير التقديرات العالمية إلى وجود أكثر من 150 مليون لاجئ بيئي في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2050 (الجارديان، 2009).
تشير التقارير الصادرة عن منظمة إنقاذ الطفولة (2008) واليونيسيف (2008) إلى أن الآثار السلبية للتغيرات المناخية ستتجلى على الأرجح وبسرعة أكبر في عرقلة عملية التعليم. فترات الحر الشديد سوف تحول دون ذهاب الأطفال إلى المدارس، وهذا ما تفعله أيضاً العواصف الرملية الشديدة، والأكثر شيوعاً في منطقة الخليج العربي. السيول أيضاً هي أحد مظاهر التغيرات المناخية الحادة والتي سوف تتسبب في قطع الطرق مما يحول دون قدرة الطلاب على الوصول إلى مدارسهم وتعطل العملية التعليمية، وتعتبر السيول التي ضربت اليمن عام 2009 خير شاهد على ذلك. انقطاع التيار الكهربائي الذي يعد واحدا من الآثار الجانبية المحتملة يمكن أن يضر العملية التعليمية من خلال تعطل المدارس وأنشطتها.
أحد التأثيرات غير المباشرة للتغيرات المناخية على التعليم، تتمثل في تغير النطاق الجغرافي لناقلات الأمراض وبخاصة البعوض، نتيجة لارتفاع درجات الحرارة. ومن ثم يزداد تعرض السكان، وبخاصة الأفراد الصغار في سن التعليم الأساسي، لأمراض الملاريا وحمى الضنك والتي بدورها تؤثر على استمرار وانتظام العملية التعليمية وتزيد من حالات التغيب عن المدارس للأطفال المصابين.
توقف الأنشطة الزراعية وتدني الغلة الزراعية هي أحد الآثار الثانوية للتغيرات المناخية والتي تؤدي إلى زيادة اتساع نطاق سوء التغذية بين الأطفال، الأمر الذي يتضمن في طياته تأثيرا مركبا ومزعجا على العملية التعليمية للأطفال، متمثلاً في ضعف التحصيل الناتج عن ضعف التركيز وتدني الوظائف الإدراكية والتسرب المبكر من العملية التعليمية. ترابط الأثر السيئ للتغيرات المناخية مع العديد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية الأخرى غير المواتية إلى ارتفاع معدلات الفقر وتردي الأحوال المعيشية وزيادة الضغوط الدافعة للهجرة ومغادرة المكان، وفي جميع الحالات، فإنه من الأرجح أن تؤثر هذه العوامل بدرجات غير متفاوتة على إمكانية الحصول على تعليم جيد ومتكافئ لجميع الأطفال.
يشير تقرير لليونسكو «التعليم للجميع: تقرير الرصد العالمي 2010» إلى أن الفتيات غالباً ما يكن أكثر تأثراً بالتغيرات المناخية عن الفتيان، وتتمثل أول هذه التأثيرات في خروجهن من العملية التعليمية. وعلى الرغم من عدم قدرتنا على قياس أو تقدير الأثر التراكمي لهذه الاضطرابات المناخية على العملية التعليمية بشكل جيد، لكن المؤكد أن عدم انتظام الطلاب في الذهاب إلى مدارسهم سوف يؤثر سلبا على التحصيل التعليمي ونتائج العملية التعليمية ككل. ولا يمكن تجاهل أثر العوامل الأخرى غير المناخية وتأثيراتها على العملية التعليمية حيث أشار تقرير «التعليم للجميع، تقرير الرصد العالمي 2010» إلى وجود حوالي 72 مليون طفل في جميع أنحاء العالم لا يزالون خارج المدرسة نتيجة لتباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر، واللذين يزيدان من تهميش أهمية التعليم (منظمة اليونيسكو، 2010).
** **
- د. خالد السيد حسن