الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
جاء الإسلام ليرفع كرامة الإنسان، ولذا اهتم بتكوين الأسرة التي هي أساس الجماعة لكون الزواج من أهم أسباب بناء الأسرة، وهو ما دعت إليه الشريعة الإسلامية، وجعل الله بين الزوجين مودة ورحمة، ولما كان للزواج من مقاصد حميدة، ومنزلة جميلة، كان الشيطان حريصاً على التفريق بين الزوجين بكل وسيلة.
"الجزيرة" التقت اثنين من مأذوني الأنكحة ليتحدثا عن فضل المبادرة بالزواج، والحث عليه، والأسباب المعينة إلى دوامه واستمراره لتحقيق حياة زوجية سعيدة هانئة.
فوائد الزواج
يؤكد الشيخ رضوان بن عبدالكريم المشيقح مأذون الأنكحة، والمحامي المستشار الشرعي أن النكاح تكثير لأمة الإسلام، وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن فيه تكوين الأسر وتقريب الناس بعضها لبعض، كما أن النكاح سبب للغنى وكثرة الرزق، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاثة حق على الله عونهم، وذكر منهم الناكح يريد العفاف)، كذلك في النكاح حصول الأجر والثواب بالقيام بحقوق الزوجة والأولاد والإنفاق عليهم، كما أن الإعراض عن الزواج وخاصة لمن يقدر على تبعاته يضر بهم وبمجتمعهم وبالأمة التي ينتسبون إليها ضرراً بليغاً؛ لأنه يشتمل على تحصين الدين، وتحصين المرأة وحفظها والقيام بها، وإيجاد النسل، وتكثير هذه الأمة، وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال: (تناكحوا تكاثروا، فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة).
ويشدد المشيقح على أن الرجل إذا كان قادراً على الزواج ومطالبه وخائفاً من الوقوع في الفاحشة لو لم يتزوج، فإن الزواج يكون واجباً في حقه، فإذا لم يتزوج كان آثماً، لأن الإنسان مطالب وجوباً بصون عرضه، وتجنب مواقع الشبه والمحرمات، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، حتى ولو لم يكن خائفاً من الوقوع في الفاحشة فإنه يجب عليه الزواج عند بعض العلماء استدلالاً بظواهر النصوص التي أمرت بالزواج، فقد روى أبو يعلى في مسنده حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال لعكاف بن وداعة الهلالي: (ألك زوجة يا عكاف؟، قال: لا، قال ولا جارية، قال: لا، قال وأنت صحيح موسر؟ قال: والحمد لله، قال عليه الصلاة والسلام: فأنت إذاً من إخوان الشياطين، إما أن تكون من رهبان النصارى فأنت منهم، وإما أن تكون منا فاصنع كما نصنع، وإن من سنتنا النكاح شراركم عزابكم، وأراذل موتاكم عزابكم، ويحك يا عكاف تزوج، فقال عكاف: يا رسول الله إني لا أتزوج حتى تزوجني من شئت، قال صلى الله عليه وسلم فقد زوجتك على اسم الله والبركة، كريمة بنت كلثوم الحميري). وحذر من المغالات الزائدة في المهور، والإسراف البالغ في الولائم، والقيام بالأعمال والتصرفات الشاذة المنحرفة في الزفاف، كل هذه الأمور جعلت الطرق مسدودة لكثير من الشباب الذين يرغبون الطهر والعفاف وتحصين الفرج، كما أن المغالاة في المهور من أكبر العوائق عن النكاح والحوائل دون تحصين الفروج، وهذا خلاف السنة المطهرة، فإن السنة تخفيف المهر وتقليله، وتخفيفه من أسباب البركة بركة النكاح والوئام بين الزوجين فأعظم النكاح بركة أيسره مؤنة.
خطورة العزوف
ونبه الشيخ رضوان المشيقح من عزوف الشباب عن الزواج لأنه مؤذن بفتنة وفساد عريض، والزواج يكون عوناً لكل متزوج في جميع أعماله ومناشطه، لأن وراء الزواج الخير والبركة والطمأنينة، حاثا الشباب على الإقبال على الزواج والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث دخل على عائشة رضي الله عنها وعمرها تسع سنين، وكذلك آباؤكم وأجدادكم من قبل تزوجوا صغاراً ولم يضرهم في ذلك شيء، كما أن على أولياء أمور البنات عدم رفض المتقدمين إليهم بطلب الزواج من بناتهم خاصة إذا كان المتقدم كفؤاً، لقول نبي الله عليه الصلاة والسلام: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) الحديث، موضحاً أن في منع المرأة من تزويجها الكفء إذا تقدم في ذلك عدة جنايات، منها جناية الوالي على نفسه بمعصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، جناية على المرأة حيث منعها من كفئها الذي رضيته زوجاً لها، وجناية على الخاطب، حيث منعه من حق أمر الشارع بإعطائه إياه، ناصحاً أولياء الأمور وبالأخص الأغنياء ووجهاء البلد وأعيانهم أن يحرصوا كل الحرص إلى محاولة نبذ هذه العادات وإزالة كل العوائق واختصارها إلى الحد المعقول خدمة لشبابنا وبناتنا وحرصاً على تذليل العقبات والمعوقات في صون اعفاف أبناء مجتمعنا.
أسباب الدوام
وتناول الشيخ الحارث بن سراج الزهراني مأذون الأنكحة بمدينة الرياض، الأسباب المعينة على دوام الزواج، وتلافي المشكلات في الحياة الزوجية، وذلك وفق التالي:
السبب الأول: عدم العجلة في الحكم على الحياة الزوجية، فقد تتأخر الألفة والمحبة شهورًا، بل أكثر، قال تعالى {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا}، وقال {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}.
فكم ضيعت العجلة فرصًا كان بالإمكان تداركها والاستفادة منها، وصدق الله: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} قال ابن حبان "والعجِل تصحبه الندامة، وتعتزله السلامة، وكانت العرب تكني العجلة أم الندامات".
السبب الثاني: استحضار محاسن كل من الزوجين للآخر، فإن مثل هذا سبب عظيم لدوام الحياة الزوجية وسعادتها.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" صحيح مسلم.
السبب الثالث: استمرار القوامة والسيادة للرجال قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، فإن الله ميّز الرجال في خلقتهم وتركيبتهم وشخصيتهم بما لا تصلح الحياة الزوجية إلا بسيادتهم، وإذا انعكس الأمر وغلبت المرأة فشلت الحياة الزوجية، عن أبي بكرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» رواه البخاري، وليس معنى هذا أن لا تستشار الزوجة، ولا يستفاد من رأيها، فإن استشارتها شيٌء، وجعل السيادة لها شيءٌ آخر.
السبب الرابع: معرفة مقصود الحياة الزوجية وهي بناء أسرة صالحة، واعفاف النفس، والتعاون على الخير الذي يكون نفعه في الدنيا والآخرة.
فما أكثر الذين لا يعرفون مقصود الحياة الزوجية؛ لذا تفشل حياتهم ولا تستمر.
فليس المقصود من الحياة الزوجية التسلية واللعب والسفر هنا وهناك، بل الأمر أكبر من هذا، وإن كان هذا لا يتنافى مع الحياة الزوجية، لكنه ليس مقصدًا أساسًا للزواج. السبب الخامس: فعل الأسباب المُجددة والمرغبة للحياة الزوجية من التجمل والهدايا (تهادوا تحابوا)، والنداء بأحسن الأسماء، قال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وعكس هذا انشغال الزوجة عن زوجها بأولادها وأحفادها وصديقاتها وغير ذلك.
السبب السادس: الإنصاف بين الزوجين، والاعتراف بالجميل والفعل الحسن، فإن مما يكثر بين النساء كفران العشير، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن» قيل: أيكفرن بالله؟ قال: "يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط" متفق عليه.
السبب السابع: القناعة، وعدم المنافسة للآخرين، فمن أشد ما يفسد الحياة الزوجية غيرة النساء بعضهن من بعض، فكلما رأت المرأة ما عند غيرها تشوفت له نفسها، وندبت حظها وتسخطت لأنه ليس عندها، وكان الواجب أن تشكر ما عندها من النعم، وتكبره في عينيها ونفسها، ولا تنظر لما عند غيرها، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم» رواه مسلم، مع العلم أن الكذب بين النساء في هذا كثير فتدعي إحداهنّ أنه فُعل لها كذا وكذا، وهي كاذبة.
السبب الثامن: الرغبة في الإصلاح إذا وقعت بينهما خصومة ونزاع، قال تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}، فإن الرغبة في الإصلاح سبب للإنصاف والتنازل واللين مما يرجع الحياة الزوجية.
السبب التاسع: الدعاء، فهو أعظم وأسهل سبب وهو مفتاح لخير الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.