د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
يروى أن الدكتور طه حسين 1889- 1973م - وقت توليه وزارة المعارف في مصر1950- 1952م، وكذلك حين عمل مديرًا لجامعة الإسكندرية وعميدًا لكلية الآداب - كان يتجاوز بعض الأنظمة الرسمية فإذا أعادها إليه مسؤولو الوزارة، مشيرين إلى النصوص الحاكمة للموضوع وجههم بكتابة اعتراضاتهم لإخلاء مسؤولياتهم، وشرح على شرحهم بكلمة: (ولو) فتنفذ تعليماته ولو خالفت المتَّبع، وجاءه وجيهٌ غنيٌ يود نقل طالبٍ ثانويٍ إلى مدرسة حكومية محددةٍ فرفض استقباله، وقال إنه قادرٌ على دفع تكاليف إرساله للدراسة في أوربا، وحين شكا أحدُ عامة الناس عدمَ قبول ابنه في مدرسة حكومية استقبله وسمع شكاته وهاتف مدير المدرسة طالبًا تسجيله.
** روى الحكاية الدكتور السيد أبو النجا صاحب كتاب (ذكريات عارية) - وهو في نظر صاحبكم من أفضل كتب السير الذاتية - وأردف في تقديم كتاب الأستاذ سامي الكيالي (مع طه حسين) - سلسلة اقرأ - نوفمبر 1973م- ص 10- 13-15: إنه لم يعترف بالحقيقة الحسابية 1+ 1= 2 وقال: إن في الدنيا من حقائق الحب والإحسان ما يسمو على هذه القاعدة.
** المرونة الإدارية انعكاسٌ لشخصية القائد الإداري، وأحد أبرز علماء الإدارة والاقتصاد الغربي ( بيتر دركر 1909-2005م ) أكد أن من معضلات الإدارة تغليبَ النظام المؤسسي على العامل البشري، وهو ما تجاوزه «العميد» في حكاياته السابقة، وفشل فيه كثيرون لم يتجاوزوا نظرية الإدارة العلمية للمهندس (فردريك تايلور 1856-1915م)؛ فبالرغم من ريادته وإيجابيات نظريته إلا أنها ركزت على الإنتاج أكثر من المنتِج، واتجهت إلى تعزيز العائد ولم تعتنِ بالعامل، وربما لاءمت النظرية زمنًا سابقًا لكنها اليوم صارت نظريةً ذات عينٍ واحدة.
** لم يَدرس العميد النظرية اليابانية في الإدارة، ولو درسها واقتنع بها لما أمتعه عقلُه وقلبُه باستئناس الداخل النقيِّ الذي أعاده إلى (الأيام) حين استمطرَ الرفقَ فوجد بعضه، وحين عانى من التراتبية فارتقى أعلاها، وإذ ضيمَ وظُلمَ بحقٍ ودونه فما توقفَ عندهما، ولعلَّ سيرته تدفعُ من يرتضون الهامش أن يسابقَوا إلى المتون.
** الخارجُ جزءٌ من تكويننا لكنه ليس التكوين، والمظاهرُ ملحقٌ لا بناء، والاتكاءُ عليها لا يعني الذات وإن مسَّ السِّمات، وربما أشبهت تكملةَ الشكل بما ليس منه، أو استعارةَ نصٍ لإذاعةِ شخص، وليت «العميد» أتمَّ (الأيام) كي نرى ما فعلته الأرستقراطيةُ بالباشا كي نشهد للفتى المصريِّ الفقير أو عليه، وهل رفضُه إملاءات وزير المعارف نجيب الهلالي إبان رئاسته للجامعة المصرية تبررُ مركزيته حين أصبح الوزير؟ وماذا عن رأيه في الأدباء والفنانين وعدم تناسبهم مع العمل الإداري فالزهور تنمو في الحدائق لا المصانع وفق ما نُسب إليه؟
** الحكايات لا تقف عند طه حسين؛ فليس المقامُ للسيرة، بل للمسيرة، والظن أن حسابات الحقول تختلف عن حسابات البيادر، وفي الإدارة للمتأمل عِبرٌ لا تنتهي.
** التنظيرُ يسير.