عبد الله سليمان الطليان
أحياناً ومن خلال حوار أو نقاش أو دردشة في واقعنا يمكن أن تصدر بين المتحاورين بشكل عشوائي كلمة أنت (تتفلسف) تخرج على نحو فيها نوع من التندُّر أو السخرية على أحد من المتحاورين، طبعاً يحدد موضوع النقاش أو الحوار الخلفية الثقافية للمتحاورين الذي أحياناً لا يرتقى إلى الجدية في مدخلاته أو طرحه، يهمنا هنا مفهوم الفلسفة التي تغيب عن عقلية أو فكر المتحاورين الذين يرمون جزافاً تلك الكلمة بغير تمعُّن وتمحيص.
الفلسفة يدرك معناها الحقيقي من له باعٌ طويل في ثقافتها، إن الفلسفة كاسم ومن خلال المعاجم كَلِمَةٌ تَعْنِي فِي الأَصْلِ الْحِكْمَةَ، مَحَبَّةَ الْحِكْمَةِ، وَصَارَ يُقْصَدُ بِهَا كُلُّ الأَفْكَارِ الْمُسْتَنْبَطَةِ بِالْعَقْلِ وَإِعمال الْفِكْرِ حَوْلَ الْمَوْجُودَاتِ وَمَبَادِئِهَا وَعِلَلِهَا، وهذا لن يكون محور حديثنا هنا، الذي سوف نخوض فيه هو مفهوم الحكمة التي تعنيها الفلسفة، وهو تحديداً التعامل فيما بين البشر على اختلاف عقولهم وأفكارهم، والتي تطرق إليها الكثير من الأشخاص منذ القدم، وصار يطلق عليهم حكماء، والذين ما زالت آثارهم أو مؤلفاتهم لها أثر عميق في حياتنا حتى وقتنا الحاضر، ولعل من هؤلاء ماركوس أوريليوس الفيلسوف الذي يعتبر بحق صاحب حكمة بالغة، له تأملات هي عميقة في معانيها لها أثر كبير على النفس، تعتبر طباً للعقول النيرة التي تبحث عن علاج فكري للصراع بين بني البشر في هذه الحياة، هذه التأملات كثيرة ولكن سوف نقتطف جزءاً بسيطاً جداً منها يقول أوريليوس:
«أعلى مراتب الحرية والقوة هي ألا يفعل الإنسان إلا ما يرضي الله، وأن يتقبل كل ما يقسمه الله له.
تذكَّر أن ملكة الرأي هي كل شيء، وأن رأيك بيدك، امح رأيك إذا شئت، وستجد السكينة، ستكون كالبحَّار الذي يدور حول رأس الأرض، فيجد ماء هادئاً، وخليجاً ساجياً بلا أمواج،
تذكَّر في نوبات غضبك أن الغضب ليس من الرجولة في شيء، وأن الرحمة واللين أكثر إنسانية وبالتالي، أكثر رجولة، فالرحماء هم ذوو القوة والبأس والشجاعة وليس القساة ولا الساخطون. فكلما تحكمت في انفعالاتك كنت أقرب إلى القوة، فالغضب دليل ضعف شأنه شأن الجزع، فالغاضب والجزع كلاهما أصيب وكلاهما استسلم.
تذكَّر أن تغييرك لرأيك أو قبولك لتصويب يأتي من غيرك هو شيء يتسق مع حريتك قدر اتساق عنادك وإصرارك على خطئك. فالفعل فعلك، تحثه رغبتك أنت وحكمك، وفهمك في حقيقة الأمر.
ليس في العالم موضع أكثر هدوءاً ولا أبعد عن الاضطراب مما يجد المرء حين يخلو إلى نفسه، وبخاصة إذا كانت نفسه ثرية بالخواطر التي إذا ظللته غمرته بالسكينة التامة والفورية» . انتهى
وأخيراً يقول هنري ثورو الفيلسوف الأمريكي (أن تكون فيلسوفاً لا يعني أن تكون لديك أفكار حاذقة، ولا أن تؤسس مدرسة، بل أن تحب الحكمة بحيث تحيا وفقاً لإملاءاتها، حياة بساطة واستقلال وسماحة وصدق. وأن تكون فيلسوفاً هو أن تحل بعض مشكلات الحياة، لا حلاً نظرياً فقط بل عملياً أيضاً.