مها محمد الشريف
خطوات متفائلة تتبع الحريتين السياسية والاقتصادية اللتين تهدفان معاً لإنقاذ البشرية من الأوضاع الكارثية المحتملة، وهذا أمر شديد الأهمية حين تجتمع الحكومات في العالم عبر زعمائها في مدينة غلاسكو الاسكتلندية في أكبر تجمع دولي حتى الآن، يهدف إلى وضع معالجات للتدهور المناخي المتفاقم في العالم، فالمناخ الذي يعتبر من أكبر تحديات عصرنا، متّصل بحياتنا اليومية بقدر ما هو متصل بالنظام الجغرافي السياسي العالمي، حيث كانت قمة المناخ التي تنظمها الأمم المتحدة تحت عنوان «كوب 26»، انطلقت بمشاركة ممثلين من 190 دولة، على رأسهم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والرئيس الأميركي جو بايدن.
وتأتي وسط تحديات غير مسبوقة لتغير المناخ فهو يُمثّل أحد أبعاد أزمة بيئية شاملة نتجت مباشرة عن العلاقات المعقّدة بين الإنسان والطبيعة، وهذا يقودني إلى الكوارث الطبيعية التي عصفت بالعديد من مناطق حول العالم في وقت سابق من 2021، وأبدى خبراء بيئيون واقتصاديون خشيتهم من أن تطغى المصالح الاقتصادية الآنية لدى بعض الدول والتكتلات، على المصلحة العالمية والإنسانية المشتركة في وقف التدهور البيئي الحاد، خاصة من خلال القوّة الهائلة التي تطوّرت بفعل التكنولوجيات الحديثة واستعمالها اللامحدود من طرف القوى الاقتصادية.
لقد بدأت تتلاءم اهتمامات العالم بالشؤون البيئيّة، وبالقضايا والتحديات الجمعية المشتركة، مثل تحديات المناخ والفقر والمياه وغيرها من أزمات تهدد التوازن البيئي والحيوي لكوكب الأرض، فتغيرات المناخ تحديداً بدأ الاهتمام بها في العام 1992 مع عقد مؤتمر ريو دي جانيرو بالبرازيل الذي شكل الانطلاقة الأولى لمؤتمرات المناخ الأممية هذه، بما أن العالم يشهد تحولات غير مسبوقة، على الصعيد المالي والجيوسياسي.
ولكن الواقع اليوم يحمل تحديات تؤدي إلى نتائج مادية تصعّب من دينامية القدرات وتحول القمة لمحافل مصالح خاصة دون إقرار برامج واستراتيجيات جادة وملزمة لمكافحة الخطر الداهم الذي يتهدد العالم، بفعل ظواهر ناجمة عن تغير المناخ كارتفاع درجة حرارة الأرض والفيضانات والأعاصير المدمرة وحرائق الغابات والتصحر والجفاف ونضوب الموارد الطبيعية كما حدث في الاتفاقيات السابقة.
وكان ذلك عطفاً على اتفاقية باريس في العام 2015 الناتجة عن مؤتمر المناخ في العاصمة الفرنسية آنذاك، تضمنت مجموعة آليات هادفة للتخفيف من كميات الغاز المنبعثة الضارة جراء احتراق غازات الدفيئة، والتي تنتج أساساً عن الصناعات البترولية، وكان مفترضاً الوصول لذلك التخفيف بحد أقصاه العام 2030، لكن نتيجة انسحاب الولايات المتحدة الأميركية في عهد إدارة دونالد ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، رغم كونها أحد أكبر المشاركين بالاتفاقية والمهندسين لبنودها، أسهم بطبيعة الحال في عرقلة وتعطيل تنفيذ استحقاقات الاتفاقية وترجمتها على أرض الواقع، وبفعل ذلك تمدد الجدول الزمني لتنفيذها للعام 2050، والآن ومع عودة واشنطن للالتزام بهذه الاتفاقية الحيوية، تعلق الآمال على تفعيلها مجدداً كما هو مرتقب من قمة غلاسكو.
وقيل لا تنتهي مسألة السيطرة، ولكنها تتغير حسب ما تقدمه، فقد شهد جناح السعودية في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP26، لاستخلاص الكربون شرحاً مفصلاً لأهداف مبادرة السعودية الخضراء التي أعلن عنها -مؤخراً- الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، مشيرين إلى أنها تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون من خلال زيادة الغطاء النباتي، ومكافحة التلوث وتدهور الأراضي، والحفاظ على الحياة البحرية، وتستهدف المملكة تصدير الطاقة النظيفة للعالم من «نيوم».
ومن الحلول التي تدفع بها المملكة المبادرات التي من أبرزها زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة العقود المقبلة، ما يعني زيادة في المساحة المغطاة بالأشجار الحالية إلى 12 ضعفاً، تمثل إسهام السعودية بأكثر من 4 % في تحقيق مستهدفات المبادرة العالمية للحد من تدهور الأراضي والموائل الفطرية، و1 % من المستهدف العالمي لزراعة تريليون شجرة. تقوم بها شركة أرامكو التي تنفِّذ حاليًا أحد أكبر المشاريع التجريبية لاستخلاص غاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه على مستوى منطقة الشرق الأوسط، حيث يتم استخلاص 45 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا من الغاز ومعالجتها، وقال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: «بصفتنا منتجاً عالمياً رائداً للنفط ندرك تماماً نصيبنا من المسؤولية في دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ، وأنه مثلما تمثل دورنا الريادي في استقرار أسواق الطاقة خلال عصر النفط والغاز، فإننا سنعمل لقيادة الحقبة الخضراء القادمة».
فالظواهر الكارثية المرتبطة بتغيرات المناخ والناجمة عنها، تؤثر سلباً على التنمية والاستقرار والأمنين الغذائي والمائي في مختلف دول العالم، والتأثير ليس بالأمر المستحدث، وظاهرة التغير المناخي السريع يتبع قدرة البشر على مقاومة هذه التأثيرات بحلول جذرية، فلم تعد الخيارات المطروحة تعالج الوضع المناخي الدولي إلا بالاتجاه إلى الحلول المستدامة والالتزام بها، فإن الأرض تشهد حالة كارثية من حرائق الغابات وما رافقها من خسائر كبيرة لم يتم حصرها لضخامتها في أنحاء متفرقة من الكرة الأرضية، خاصة من مختلف الدول الكبرى والصناعية. لذا التضامن والبحث عن مخارج وحلول عملية لكبح جماح التغيرات المناخية السلبية المتصاعدة، إنه ظرف عالمي يتشارك فيه ملايين الناس في شتى أنحاء العالم، وأجزاء ضرورية من وسائل الحياة.
وحسب التصنيف العالمي تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى، باعتبارها المسؤولة عن إنتاج أكثر من 509 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون منذ عام 1850 وهي مسؤولة عن أكبر حصة من الانبعاثات التاريخية، بحوالي 20 بالمائة من الإجمالي العالمي، والصين في المرتبة الثانية، بإنتاج 284.4 غيغا طن، تليها روسيا 172.5 غيغا طن، والبرازيل في المرتبة الرابعة 112.2 غيغا طن، وتأتي إندونيسيا في المركز الخامس بإنتاج 102.5 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون، في المرتبة السادسة تأتي ألمانيا 88.5 غيغا طن، ثم تأتي الهند في المركز السابع بإنتاج 85.7 غيغا طن ثاني أكسيد الكربون، وفي المرتبة الثامنة تقبع المملكة المتحدة بـ74.9 غيغا طن، وتاسعًا تأتي اليابان بـ66.7 غيغا طن، أما في المركز العاشر فتأتي كندا 65.5 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون، فمن يتحمل المسؤولية التاريخية لأزمة تغير المناخ بعد أن تم ذكر الدول الأكثر انبعاثات من ثاني أكسيد الكربون في العالم.