د. محمد بن إبراهيم الملحم
هذه المقالة تفيد كل من يريد أن يتحول من حالة «المهنة» إلى حالة «الوظيفة» وتقدم لهم أفكارًا وطرائق تسهل هذه المهمة، وحتى يتضح ماذا يعني التحول من المهنة إلى الوظيفة، فدعوني أوضح أولاً ماذا تعني كل منهما: فالمهنة هي أي عمل يقوم على مهارات يتقنها الشخص المتخصص ولا يقوم بها كل الناس غالباً، وهي لا تكتسب بالدراسة المحدودة أو التجربة البسيطة بل لا بد لها من مران وخبرة عميقة تجعل من صاحب المهنة شخصاً يوثق فيه ومرجعاً يرجع إليه، فأنت تقول عن المختص «صاحب مهنة» ولا أقصد بذلك المصطلح الشائع من يقوم بأعمال حرفية كمهنة السباكة والكهرباء وأمثالها، وإنما المصطلح العلمي لمفردة مهنة Profession التي تدل أيضاً على مهنة طبيب، مهندس، محامٍ، محاسب، معلم، فكل من هؤلاء ينطبق عليه تعريف المهنة آنف الذكر وبهذا فالمعنى شامل لكل صاحب مهنة يمتلك مهاراتها بما يجعله محل ثقة ولا يقلده فيها أي أحد بتدريب بسيط، أما الوظيفة فشأنها مختلف فقد تكون مهمة بسيطة يدرب عليها أي شخص مهما كان اختصاصه ليؤديها بعد ذلك بكل اقتدار فالكاتب وموظف الاستقبال والسكرتير كل منهم يقوم بوظيفة تم تدريبه عليها بهذه الطريقة - وتتسم الوظيفة بتكرار العمل يومياً بنمطه المعتاد الذي لا يتغير على الدوام، ولذلك فإن الموظف يقوم بعمله «الروتيني» ويكرره، وربما استمتع به في البداية جداً لكنه بعد ذلك يصل حد الملل ليصبح مكان العمل بالنسبة له كسجن يريد أن يغادره في أسرع وقت. ربما كان هذا الوصف مبسطاً للغاية في الفرق بين المصطلحين لكنه يقدم دلالة لما أرمي إليه.
السؤال المطروح أتحدث فيه تحديداً عن مهنة التدريس أو التعليم، كيف يحول المعلم مهنته إلى وظيفة؟ إليكم الطريقة: أولاً تحضير الدروس قم بنقل تحضير غيرك من المعلمين ولا تتعب نفسك بالتفكير والتخطيط، وعندما تشرح الدرس فأفرغ كل ما في جعبتك على الطلاب حتى تؤدي مهمتك الوظيفية المطلوبة منك ولا تناقش الطلاب أو تستثير أفهامهم وكثير أسئلتهم وترهق نفسك، وحتى لا تطول عليهم المسافة قدم لهم استراتيجيتك في التقييم منذ البداية موضحاً أنك تكتفي من المحتوى بما تخططه لهم من نصوص الكتاب، كما أنك لا تخرج عن أسئلته، أو الأسئلة التي تقدمها لهم أثناء التدريس، وهكذا سيطمئن طلابك وتصبح حصتك دون كثير أسئلة أو استفسارات. وحيث إنك مطالب في «وظيفتك» بإثبات و»توثيق» أدائك من خلال الواجب المنزلي أو أوراق العمل التي تقدمها للطلاب فلا بد أن تكون استراتيجياتك مع هذه محققة لمصالحك، لذلك لا تتعب نفسك بتصحيح إجابات الطلاب بل بعد أن يقوموا بالحل قدم لهم الأجوبة الصحيحة واطلب من كل منهم أن يحضر قلماً أحمر ويضع (صح) على الإجابة الصحيحة و(خطأ) على الخاطئة، وهناك طريقة أخرى أن تأخذ دفاترهم للواجب أو أوراق العمل وتكتفي بالتوقيع عليها مع التاريخ، تماماً كما يفعل الموظفون على المعاملات الورقية (فأنت الآن موظف في الواقع!) وبالمناسبة هناك من يصنع لتوقيعه ختماً باللون الأحمر ويوقع على دفاتر الطلاب به، ربما تعجبك هذه الطريقة... وربما يختم بتوقيعك أخوك الصغير أو زوجتك أو ربما بعض طلابك.
نقطة مهمة أخرى، الموظفون يحضرون أول الدوام وإذا انتهى يغادرون فورًا حتى لو لم تنته بعض المعاملات فسوف يتم إنجازها غدًا، وهكذا أنت يمكنك أن تلعب الدور بنفس الطريقة فما إن يضرب جرس نهاية الحصة حتى تغادر غرفة الصف دون منح الطلاب أية دقيقة إضافية للتوضيح أو الشرح، بل حتى إذا كانت بعض الأعمال التي كنت تنوي عملها لم يكف الوقت لها فيمكنك إلغاؤها لأنك محكوم بوقت الدوام (تماماً كالموظف). وهذه مجرد أمثلة تضعك على الطريق لتفهم كيف تترك ممارسة التدريس كمهنة يعشقها أهلها ويخلصون لها إلى مجرد وظيفة تؤديها وتقبض راتبها دون أن يزعجك أحد باتهامك بالقصور في «وظيفتك» فتعيش سعيدًا مرتاح البال (ولا أدري طبعًا عن موضوع راحة الضمير!) ويمكنك أن تبدع في تصور الموضوع بنفس النسق في مجالات أخرى كثيرة ربما لا تتسع لها المقالة وأنا واثق أنك ستبدع فيها أكثر مني.
أخي «المعلم الموظف»، إذا أعجبتك مقالتي فحظاً موفقاً في رحلتك المحطمة لمجتمعنا.
** **
- مدير عام تعليم سابقًا