من الصعب أن تكتب عن ملامح وسمات وفضائل رجل دولة أمضى حياته العملية كلها خدمة لدينه، ثم الملوك الذين عاصرهم وكان قريباً منهم بحكم إمارته لمنطقة الرياض عاصمة وقاعدة الحكم ومرتكزه وعلى مدى أكثر من خمسة عقود أمضاها وبدأها منذ كانت الرياض البلدة الصغيرة المحاطة بسور مبنى من الطين كإحاطة السوار بالمعصم، وأعترف بأنني لن أستطيع الإلمام بكل المنجزات والمعجزات التي تحققت على يديه حتى أصبحت الرياض اليوم المدينة الحضارية التي تنافس كبريات العواصم العالمية وبوقت قياسي ولعل سر النجاحات الباهرة التي تحققت للعاصمة الرياض تكمن بكل وضوح وجلاء بالقدرة العجيبة والظاهرة للعيان في ترسيخ وترسيم أولويات العمل وتحقيق المهام المناطة به طبقاً للأوقات المحددة وتعديل تلك الأولويات بحسب الظروف المتغيِّرة والتي تدرك أهمية الوقت وعدم تجاوزه أو هدره هنا يتمثَّل سلمان الأمير والوزير والملك وقبل ذلك كله الإنسان وهو من أستطاع إدارة الوقت بكل تفان حتى إن الساعة كانت تضبط بموعد وصوله المبكر إلى مكتبه إبان عمله أميراً لمنطقة الرياض فكان مثلاً بارزاً في إدارة الوقت وصرفه وتحديد درجة أهميته وتوزيع الوقت لكل عمل ومهمة وحسب أولويات العمل حتى إنجازه وهو الأمير ثم الملك الذي بارك الله في وقته وعمله وجهوده وهو القادر على كيفية توظيف الوقت واستغلاله، وهو من يوقت عقارب الساعة على ساعته ولا تتوقف عقارب ساعته التي في معصمه إلا بالدقة المتناهية للمواعيد التي يلتزم بها ولا يعطيها أكثر مما تستحق من الوقت دونما زيادة أو نقصان، إذ لديه -حفظه الله- ملكة خاصة في الدقة المتناهية في تنظيم وقته والتي بدأت معه منذ البدايات، بل الساعات الأولى التي تسنَّم بها مقاليد المسؤولية المبكرة، حيث إنه أول من يصل إلى الإمارة وتجده جالساً على مكتبه بقصر الحكم بالوقت المحدد لاستقبال المراجعين وتلقي مطالبهم وقضاياهم ليُكون الأسوة الحسنة الواثقة لجميع الموظفين والعاملين بالإمارة، حيث حدثني مدير مكتبه الصديق الأستاذ عبدالله السلوم -رحمه الله- حيث يقول: «بأننا نوقّت ساعاتنا على ساعة حضوره ومجيئه وساعة انصرافه حتى في سفره أو إجازته الرسمية التي يتمتع بها لا بد أن تكون حاضراً ذهنياً في أي وقت من ساعات العمل أو خارجه لتتلقى توجيهه الكريم، حيث إنه درج على إنجاز المعاملات للمواطنين وعدم تأخيرها حتى وهو في إجازته الرسمية»، والملك سلمان بن عبدالعزييعدُ أحد أهم الشخصيات والنخب الإدارية البارزة التي استطاعت ولعقود من عمر الزمن أن تتحكم بالوقت كقيمة للوقت ولم يحكمها الوقت وهو أبعد ما يكون عن المجاملة أو التسويف أو التفريط بزمن الوقت أو تأخيره ناهيك عن الإفراط في كل ثانية منه أو دقيقة قبل الساعة! وهو من طوَّع نفسه وذاته وسما بها وحملها على تلك الفضيلة السامية منذ نعومة أظفاره درب على تنظيم وقته وعمله منذ صغره وهو رجل الدولة الأقرب إلى الالتزام الدائم الحاضر في المشهد السعودي وهو المعاصر لجميع ملوك المملكة منذ عهد والده الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وحتى عهود إخوانه الملوك: سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله -رحمهم الله- إذ لم تغب عنا وعن المشاهد صورته الوضاءة المشرقة والمتجلية بالابتسامة والبشاشة في كل المناسبات والاحتفالات الرسمية والشعبية والأهلية والاستقبالات الرسمية التي يطل من خلالها وهو إلى هذا كله يُعد المواطن الأول الذي عرف كيف يكيّف الوقت ويطوّعه لأداء الواجبات الاجتماعية من خلال عيادة المرضى أو تقديم واجب العزاء أو حضور مناسبة اجتماعية أو تلبية دعوة وهو إلى ذلك كله عندما يتأخر يبدي اعتذاره للجميع وهذا تواضع منه وخلق رفيع وهذا ما سمعته منه وشاهدته في أكثر من مناسبة ولعل تلك السمة البارزة سمة المحافظة على الوقت وتنظيمه وتربيته اكتسبها تطبعاً واحتذاءً عن والده الملك المؤسس عبدالعزيز الذي عرف بحزمه وصرامته وعدم تهاونه بالوقت وقيمته وتلك نقلها الملك سلمان لأبنائه ومنهم ولي عهده الأمير محمد بن سلمان الذي انتهج نهج أبيه عملياً في تطبيق فضيلة المحافظة على الوقت وتنظيمه وهو الأمير الذي يعمل ولساعات طويلة لكل ما من شأنه ارتقاء ونماء ورقي وتطور المملكة العربية السعودية وهو من يقود الرؤية الطموحة بكل ثقة لكل ما فيه مصلحة الوطن والمواطن.
والملك سلمان ونحن نحتفل بمرور الذكري السابعة للبيعة المباركة والتي هي من حظ هذه البلاد المقدسة يتميز بكاريزما الشخصية القيادية الفذة اللافتة لما تحمله من مقومات الحكم والتي ليس بأقلها سمة الوقت الذي ارتفع بإيحائها بنا نحن المواطنين سمواً ومهارة وقيمة وفخراً والتزاماً وتهذيباً وإنتاجاً لأنه وبشهادة حق لكل من عرفه وتعامل معه أو التقاه هو الأكثر شيوعاً في إدارة رتم الوقت وبناء أساسياته وأولوياته ونظمه وهو من يعطى الدروس تلو الدروس لكل من يفرط بقيمة الوقت ويسوف فيه ويقدم الأعذار الواهية وكأن الوقت سلعة رخيصة لأن الوقت في فكر ورؤية ونهج الملك سلمان يساوي الحياة، ألم يتعبدنا الله تعالى في الوقت وفرض على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة ولها أوقات محددة لا يمكن الخروج عنها؟ {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} ويبقى الملك سلمان -حفظه الله- مثلاً أعلى يحتذي في منظومة الوقت وإدارته عملياً وعلى أرض الواقع المشاهد والمنظور ولأكثر من ستة عقود زاهية ومزدهرة من حياته العملية التي قضاها في إدارة شؤون الإمارة والحكم وهو من قضى وقته وصرفه خدمة لدينه ووطنه ومواطنيه {إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}.
** **
- فهد عبدالعزيز الكليب