خالد بن حمد المالك
يومان مرَّا قبل وفاتها - رحمها الله - كانا مشوبين بالقلق والخوف والرجاء، وكانت الأجواء تكاد أن تصيب أفراد الأسرة بمقتل كلما تذكَّر الجميع أنها بين رحمة الله قد استقر مقرها في غرفة العناية الفائقة، دون حراك، دون صوت، وبلا مقدرة لديها على أن تكون محركة للأجواء السارة ومحفزة للابتسامة والروح المرحة كما كانت عليه من قبل.
* *
يومان سبقا الصدمة، كانت فقيدتنا خلالهما بين الحياة والموت، فيما كان أحبابها في انتظار لكلمة من الطبيب تؤنسهم، وتطفئ لهيب خوفهم أن يكونا آخر يومين في حياتها، وفقًا للحالة الصحية الصعبة التي كانت تمر بها نورة بنت إبراهيم الطاسان.
* *
بدأ الشعور بالقلق يزداد ساعة بعد ساعة بعدم الاطمئنان على أن لدى الأطباء من القدرة على العلاج ما سوف يعيد لها شيئًا من الأمل في تجاوز هذا التدهور السريع في حالتها الصحية، ليمضي الوقت، ويتوقف نبض قلبها، ويخرج أطباؤها للإعلان عن الفجيعة بموت الوالدة الغالية نورة بنت إبراهيم الطاسان.
* *
هكذا انتهت فترة إقامتها بالدنيا، وهكذا ودعتها، وهكذا انتقلت إلى عالم آخر أكثر بهاءً وجمالاً وراحة بال إن شاء الله، بينما بقي أولادها وبناتها وجميع أفراد أسرتها في حالة حزن، ووجوم، وأسى، ودعاء لها لا يتوقف ولا ينقطع.
* *
كانت الفقيدة بالنسبة للجميع في مقام الوالدة، مهما بعدت صلة القرابة معها، بنبلها وكرمها وأخلاقها، بأنسها ومحبتها وصدقها، فهي امرأة ودودة ومحبة وحنونة، فيها صفاء وتواضع وأريحية ومنطق جميل، لا يُمل مجلسها ولا يُستغنى عن أحاديثها، ملهمة كلما تطرَّقت لموضوع أو تحدثت عن شيء يلامس الوجدان.
* *
فقيدة - ولا شك - وإن كانت شهادتي فيها مجروحة، فهي والدة زوجتي د. سلوى الزامل، وهي جدة أولادي، وبناتي، وهي على علاقة قرابة بأسرتي، هي بالنسبة لي الأم الثانية، التي غمرتني بعاطفتها ودعمها لي في بناء أسرتي الصغيرة بالمشاركة مع ابنتها، لهذا فأنا حزين، إذ لن أراها في هذه الدنيا الفانية بعد اليوم.
* *
الفقيدة هي إحدى بنات العسكري السعودي الأشهر الفريق أول إبراهيم الطاسان، وقد تعلَّمت فقيدتنا وتربَّت في بيت والدها، حيث القيم والخلق والسمعة الطيِّبة، فكانت نعم الإنسانة لنعم الرجل، وكان حظي كبيرًا، إذ وجدت فيها من الخصال والصفات ما كان عونًا لي في حياتي الزوجية الناجحة منذ ارتباطي بابنتها وإلى اليوم.
* *
أما وقد ماتت، وغاب ضياؤها، فلا نملك إلا الدعاء لها بالمغفرة والرحمة، سائلين الله العلي القدير أن يكرمها بمنزل في الفردوس الأعلى من الجنة، ويلهم أبناءها وبناتها وذويها وأسرتها جميعًا الصبر والسلوان، وأن يُعظم أجرها وأجرنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.